اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

في رحاب بقيّة الله: الصيحة من السماء

الشيخ نعيم قاسم

 



أحدثت غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه حيرة كبيرة في كيفية الظهور وتوقيته، وتحدثت الروايات عن علامات عامة إجمالية تنطبق على أحداث متشابهة، إذ لم يكن الهدف من هذه الروايات تحديد التوقيت بدقة، بل "كذب الوقاتون". بناءاً عليه، فإن إزالة الالتباس عن أحداث الظهور يتطلب حالة إعجازية، تزيل الحيرة والشك، وتبيِّن الحقيقة ناصعة، وهذا ما نفهمه من "النداء من السماء" الذي يُعتبر من العلامات المباشرة، وقد عبَّرت عنه الروايات بأسماء مختلفة، فهو النداء الذي يسمعه كل العالم ويأتي من السماء، فعن أبي عبد الله عليه السلام: "إنَّ القائم لا يقوم حتى ينادي منادٍ من السماء، تسمع الفتاة في خدرها، ويسمع أهل المشرق والمغرب، وفيه نزلت هذه الآية: "إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلَّت أعناقهم لها خاضعين"(1).

*النداء باسم القائم
يحتوي النداء على ذكر اسم القائم، فهو ليس مجرَّد صوت أو صرخة، بل إعلان إلى العالم باسم صاحب العصر والزمان، فعن أبي عبد الله عند سؤاله عن السفياني بأنه من المحتوم، قال: "نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكفٌّ تطلع من السماء من المحتوم، والنداء. فسئل: وأي شيء يكون النداء؟ فقال: "منادٍ ينادي باسم القائم واسم أبيه"(2).

- الصيحة
النداء هو الصيحة أيضاً، والتي تصدر عن جبرائيل عليه السلام، في شهر رمضان المبارك، فعن الباقر عليه السلام: "الصيحة لا تكون إلاَّ في شهر رمضان شهر الله، هي صيحة جبرائيل عليه السلام إلى هذا الخلق، ثم قال: "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلاَّ استيقظ، ولا قائم إلاَّ قعد، ولا قاعد إلاَّ قام على رجليه فزعاً من هذا الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب"، ...ثم قال: "يكون الصوت في شهر رمضان، في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين، فلا تشكّوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا.."(3).

-الفزعة
والنداء هو الفزعة، التي تُحدث خوفاً من هذا الحدث الاستثنائي غير المألوف، ففي حديث أمير المؤمنين عليه السلام عن علامات الفرج، ذكر الفزعة في شهر رمضان، فقيل له: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أوَما سمعتم قول الله عزَّ وجلَّ في القرآن: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين: هي آية تُخرِج الفتاة من خدرها، وتوقظ النائم، وتُفزع اليقظان(4).

-الهدَّة
كما عبَّرت عنه رواية أخرى بالهدَّة، التي تُفاجئ العالم، وتُحدث لديهم تساؤلات كثيرة، يبادرون إلى ذكر الله تعالى والسجود له، فهم مهيّأون لها ومتشوِّقون إليها بفارغ الصبر. سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصيحة، فقال: "هدَّةٌ في النصف من رمضان، ليلة جمعة، فتكون هدَّةٌ توقظ النائم، وتُقعد القائم، وتُخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة، في سنة كثيرة الزلازل، فإذا صلَّيتم الفجر من يوم الجمعة، فادخلوا بيوتكم، وأغلقوا أبوابكم، وسدوا كواكم، ودثّروا أنفسكم، وسدُّوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة، فخرُّوا للّه سجَّداً، وقولوا سبحان القدوس، ربَّنا القدوس، فإنَّ من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل ذلك هلك"(5). والظاهر أنَّ القصد بملازمة البيوت مرتبط بتهدئة النفس وتسكينها بالطاعة لله، بانتظار أوامر الإمام المهدي عجل الله فرجه لقادة جنده تمهيداً لالتحاق الناس بهم، للقيام بوظيفتهم الإلهية في نصرة دولة الحق. ولا نتوقف عند اختلاف الروايات في اليوم المحدد في شهر رمضان، فقد اتجهت بالإجمال إلى الحديث عن النداء في شهر رمضان شهر الله تعالى، ورجح أغلبها حصوله في ليلة القدر، والله أعلم.

لم يعد خافياً بأنَّ النداء إعلامٌ يشير إلى القائم عجل الله فرجه، حيث يكون الأمر صريحاً ليكون ذلك حجة واضحة على العالم، يتفاعل معه المؤمنون، ويترجمون نهجهم بانتظاره وذكره، حباً وتفاعلاً وذكراً لاسمه في حياتهم وجهادهم. عن الإمام علي عليه السلام: "إذا نادى منادٍ من السماء أن الحقَّ في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويشربون حبَّه، ولا يكون لهم ذكرٌ غيره"(6). تحصَّل لدينا أن النداء والصيحة والفزعة والهدَّة أسماءٌ مترادفة لأمرٍ واحد هو النداء باسم قائم آل محمد عجل الله فرجه، تصاحبه حالة إعلامية عالمية لأهل الأرض، وعندها يُمحَّص المؤمن من الكافر، وتتتالى العلامات مع بعضها إيذاناً بظهور الحجة ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. ويبقى الأهم، أن نتعلَّق دائماً بالظهور وندعو بالفرج، ولا تكون العلامات همنا، فهي كيفما ظهرت أو تغيَّرت بعض تفاصيلها، فلا شيء يقف أمام حتمية الظهور.


1- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 177.
2- النعماني، كتاب الغيبة، ص: 257.
3- المصدر نفسه، ص: 253.
4- المصدر نفسه، ص: 251.
5- المروزي، كتاب الفتن، ص: 132.
6- الشيخ الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج: 3، ص: 35.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع