السيد عباس علي الموسوي
لا شكَّ أن قضيّة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هي إحدى القضايا الكبرى التي كانت ولا تزال تشغل البشرية. فالمهمة المتوقعة منه هي من أعظم المهمّات إذ على يديه سيتمّ أعظم إنجاز إلهي لم يبلغه قبله ولا بعده أحد على الإطلاق؛ فهو الذي سيحقّق حلم الأنبياء في نشر العدل وإرساء دعائمه، وفي تأسيس أعظم حكومة عادلة يرتع فيها الغنم إلى جانب الذئب، فلا تعتدي في حكومته قرناء على جماء. ولذا كان لا بدّ من معجزات تكشف أنه المهدي الموعود المدّخر لمثل هذا الأمر العظيم. وهذه المعجزات هي على حدّ ما يقدّمه الأنبياء لإثبات رسالاتهم ولكن الفارق مع الإمام المهدي في واحدة من علامات الظهور، نقصد الصيحة، أن من يتولّى إظهار هذه المعجزة هو جبرائيل عليه السلام نفسه ولذا تملأ صيحته المدوّية الدنيا ويصل مداها ومضمونها إلى كل أُذن. فمن هنا يجب أن نتعرّف إلى هذه الصيحة وخصوصياتها وما ورد فيها.
* الصيحة من العلامات الحتميّة
صحيح أن الأئمة عليهم السلام منعوا من وضع توقيت محدد لخروج المهدي عجل الله تعالى فرجه وظهوره ولكنهم في الوقت نفسه كشفوا عن مقدّمات وعلامات متى تحقّقت كان ظهوره عجل الله تعالى فرجه حتميّاً. ومن تلك العلامات: الصيحة أو النداء، أو الفزعة، وهي ألفاظ متعددة لمعنى واحد، فمتى وقعت الصيحة، كان ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه. وفي هذه الصيحة وردتْ أحاديث منها: عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "إن قدّام هذا الأمر، [ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه]، خمس علامات: أولاهنّ النّداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، و…"(1). وفي رواية أخرى عنه عليه السلام أنّه قال: "قبل قيام القائم عجل الله تعالى فرجه خمس علامات محتومات، اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء"(2). وفي رواية ثالثة أنّه قال: "النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم…"(3).
* جبرائيل عليه السلام يبثّ نبأ الظهور
من عجائب قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه أن الأئمة عليهم السلام كشفوا تفاصيل ظهوره بدقة وكأنهم يضعون بين أيدي الناس وصفاً لواقع يجري أمامهم راوين أحداث الظهور وما يكون فيه. يعلن جبرائيل عليه السلام بصوته نبأ خروج المهدي عجل الله تعالى فرجه وهذه أعظم المعجزات حيث يتولّى نشر الخبر مَلَاكٌ طاهر، وصلت أخباره عبر الأنبياء عليهم السلام إلى كل أصحاب الرسالات، فهو الذي تولّى السفارة بين الله وبين الأنبياء والرسل، وكان الواسطة الأمينة التي نقلتْ كلام الله إلى هؤلاء الرسل… في شهر رمضان وفي ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين. وتكون تلك الليلة ليلة جمعة يتولّى جبرائيل عليه السلام فيها إذاعة خبر ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه. فعن الإمام أبي جعفر عليه السلام: "... الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل عليه السلام إلى هذا الخلق.. الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرين"(4).
* النداء باسم القائم عجل الله تعالى فرجه
وقيل للصادق عليه السلام: "وكيف يكون النداء؟ فقال: ينادي منادٍ من السماء باسم القائم عليه السلام فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلا قام ولا قائم إلا قعد ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت وهو صوت جبرائيل الروح الأمين"(5). وفي حديث آخر: "وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها.."(6).
* النداء يسمعه كل قوم بلسان
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ينادي منادٍ باسم القائم عجل الله تعالى فرجه قلت: خاص أو عام؟ قال عليه السلام: عام يسمعه كل قوم بلسانهم.."(7). وهذا الصوت الذي يرفعه جبرائيل عليه السلام يعلن فيه خروج المهدي يصل مداه، إلى شرق الأرض وغربها ولا يبقى شبر من هذه الأرض إلا ويصله النداء، ويصل إلى كل قوم بلسانهم حتى تقوم الحجة ولا يبقى عذر لمعتذر. ولعل صوت جبرائيل عليه السلام الذي يبثّ يكون واحداً، وفي اللحظة نفسها يبثّ بكل اللغات ولعل الترجمة فورية دون تأخير وإن كان الأول أرجح فتتحول كلمة جبرائيل عليه السلام نفسها إلى كل لغة ولسان يفهم الناس مراده وبلغتهم، وهذا أبلغ في الاعتبار وأقوى في الإعجاز.
* نداء مضاد
ونداء جبرائيل عليه السلام يأتي من السماء باسم القائم واسم أبيه صباحاً. ولكن إبليس لا يدع الأمر يمرّ دون تشويش أو تشكيك ولذا يطلق نداءه مساءً. عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: "ينادي منادٍ من السماء أول النهار: ألا إن الحقَّ في عليّ وشيعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحقّ في السفياني وشيعته، فيرتاب عند ذلك المبطلون"(8). وفي حديث آخر عن الباقر عليه السلام: "...وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين ينادي: ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً ليشكك الناس ويفتنهم، فكم ذلك اليوم من شاكٍّ متحيّر قد هوى في النار، وإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه أنه صوت جبرئيل وعلامة ذلك أنه ينادي باسم القائم واسم أبيه عليه السلام حتى تسمعه العذراء في خدرها فتحرّض أباها وأخاها على الخروج..."(9).
وعندما يُسأل الإمام الصادق عليه السلام عن وجود صيحتين صيحة من جبرائيل وأخرى من إبليس وأنه قد يلتبس الأمر على الناس ولا يعرفون الحق ليؤمنوا به فكيف نعرف هذه من هذه؟ يقول الإمام عليه السلام: "يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون"(10). أقول: طبعاً قد سمع بها المؤمنون وهم في دار الدنيا قبل وقوعها حيث أبلغهم بها الأئمة عليهم السلام فآمنوا بها فهؤلاء لا يشتبه عليهم الأمر ولا يعيشون الحيرة والشكّ. وهذا المعنى هو ما رواه الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام حيث يقول لأصحابه: "... فإن أمركم ليس به خفاء، ألا إنها آية من الله عزّ وجلّ ليست من الناس، ألا إنها أضوأ من الشمس، لا تخفى على برّ ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنها كالصبح ليس به خفاء"(11).
وبهذا النداء الإلهي يفترق الناس فأصحاب الحق يجتمعون في كتلة بشرية وأهل الباطل يجتمعون في كتلة وكل كتلة لها مميزاتها وسماتها ولهجتها وطريقتها وأهدافها وبالتالي قيادتها وولاة أمرها. إن هذا النداء به يفترق الناس ويتمايزون ولا يعود من لقاء لأهل الحق بأهل الباطل وذلك من أجل أن يأخذ كل فريق دوره ولكي تكون المواجهة واضحة لا غبار عليها فحزب الله واضح وحزب الشيطان واضح والحجة قد أقيمت على الجميع وانقطعت بها أعذار الناس. ولذا ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "لا تمضي الأيام والليالي حتى ينادي منادٍ من السماء: يا أهل الحق اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا فيعزل هؤلاء من هؤلاء ويعزل هؤلاء من هؤلاء، قال (الراوي): أصلحك الله يخالط هؤلاء وهؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال: كلّا، إنه يقول في الكتاب: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾"(12).
1.الغيبة، النعماني، ص 301.
2.كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 650.
3.الغيبة، م. س، ص 262.
4.بحار الأنوار، المجلسي، ج 52، ص 230.
5.الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 454.
6.بحار الأنوار، م. س، ج 52، ص 233.
7.الوافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 445.
8.كمال الدين وتمام النعمة، م. س، ص 652.
9.الغيبة، النعماني، ص 263.
10.م. ن، ص 274.
11.م. ن، ص 207.
12.بحار الأنوار، م. س، ج 52، ص 222.