فيصل الأشمر
عُرف العرب والمسلمون ببطولتهم وشجاعتهم أمام أعداء الأمة على مر العصور, مستمدين هذه الشجاعة من طبيعة بيئتهم ثم من عقيدتهم الإسلامية بعد دخولهم في الدين الحنيف. ولأجل ذلك مجّد الشعراء العرب على مر التاريخ البطولة والإقدام والتضحية, ولا سيّما حين يصل الأمر بالمرء إلى التضحية بنفسه في سبيل الله والوطن أي إلى الشهادة. ويصف الشاعر إبن الأبار الشهداء في طريقهم إلى الشهادة فيقول: همُ القومُ راحُوا للشهادَةِ فاغْتَدَوا وما لهم في فوزهم من مُقاوِمِ تَسَاقَوْا كؤوسَ الموتِ في حومةِ الوغَى فمالتْ بهم مَيْلَ الغُصونِ النّواعِمِ مَضَوْا في سَبيلِ اللَّهِ قِدْماً كَأنَّما يَطِيرُونَ في إقْدَامِهِمْ بقَوادِمِ يَرَوْنَ جِوَارَ اللَّهِ أكْرَمَ مَغْنَمٍ كَذَاكَ جِوارُ اللَّهِ أسْنَى المَغانِمِ
أما كاظم الأزري فيصور لنا الشهيد قائلاً: فقضى ولكن للشهادة حقها ومضى ولكن للنعيم بخلدهِ في جنة الفردوس ما من سيّد إلا وقام له بخدمة عبده والحور والولدان محدقة به أضحت فسل جيد العلى عن عقده والشهيد لا يرضى أن تغتصب أرضه وبلاده دون أن يجود بنفسه في سبيلها وفي ذلك يقول عبد الرحيم محمود في قصيدته الشهيرة التي مطلعها: سَأَحمِلُ روحي عَلى راحَتي وَأُلقي بِها في مَهاوي الرَّدى: أَرى مَقتَلي دونَ حَقّي السَليب وَدونَ بِلادي هُوَ المُبتَغى يَلِذُّ لأُذني سَماعُ الصَليل يُهيِّجُ نَفسي مَسيلُ الدِّما وَجِسمٌ تَجَدَّلَ فَوقَ الهِضابِ تُناوشُهُ جارِحاتُ الفَلا وَعَفَّرَ مِنهُ بَهِيَّ الجَبينِ وَلكِن عَفاراً يَزيدُ البَها وَبانَ عَلى شَفَتَيهِ اِبتِسام مَعانيهِ هُزءٌ بِهذي الدُنا وَناَم لِيَحلمَ حُلمَ الخُلودِ وَيَهنَأَ فيهِ بِأَحلى الرُؤى لَعُمرُكَ هذا مَماتُ الرِجالِ وَمَن رامَ مَوتاً شَريفاً فَذا ويأخذنا الشاعر نفسه في قصيدة أخرى إلى جنان الخلد ليصور لنا حال الشهيد فيها منتقلاً من هذه الدنيا الفانية فيقول: هادئ القَلب مطبق الأَجفانِ مُطلق الروح راقد الجُثمانِ مَلَكٌ عِندَ رَأسِهِ باسم الثَغـ رِ جَناحاه فَوقَهُ يَخفقان وَحَواليه طافَ أَسراب حور بِغُصون النَخيل وَالرَيحان وَأفاق الشَهيد مُنشَرح الصَد ر شَكوراً لأنعم الرَحمنِ وَاِستوى جالِساً عَلى رفرف خضـ ر غوالٍ وَعَبقريٍ حِسان وَتَجَلّت أَنوار من مَلَك الملـ ك فَخرَّ الحَضور للأَذقان ثُمَ حَيّى ذاكَ الشَهيد وَنادى أَيهذا الشَهيد لَستَ بِفانِ رَضيَ اللَهُ عَن جِهادك فَاخلُد وَتَبَوّأ في الخُلد أَعلى مَكانِ وَخُلود النَعيم عِندي جَزاء لِلَّذي ماتَ في هَوى الأَوطان
أما الشاعر أحمد شوقي فيخاطب الشهداء صانعي المجد قائلاً:
وَالمَجدُ في الدُنيا لأَوَّلِ مُبتَنٍ وَلِمَن شيّدَ بَعدَهُ فَيُطيلُ |
يا أَيُّها الشُهَداءُ لَن يُنسى لَكُم فَتحٌ أَغَرُّ عَلى السَماءِ جَميلُ |
وَالناسُ باذِلُ روحِهِ أَو مالِهِ أَو عِلمِهِ وَالآخَرونَ فُضولُ |
لَولا نُفوسٌ زُلنَ في سُبُلِ العُلا لَم يَهدِ فيها السالِكينَ دَليلُ |
ويرسل سعدي الشيرازي تحياته إلى الشهداء قائلاً:
هنيئاً لهم كأسُ المنيّةِ مترَعاً وما فيه عند اللَه من أعظم الأجر |
تحيّةُ مشتاقٍ وألفُ ترَحُّمٍ على الشهداءِ الطاهرين من الوزرِ |
|
فلا تحسَبَنَّ اللَه مخلِفَ وعدِهِ بأنّ لهُم دار الكرامةِ والبِشرِ |
ويخاطب أحمد شوقي روح الشهيد عمر المختار الذي جاهد المحتل الإيطالي حتى قضى نحبه فيقول:
يا ويحهم نصبوا مناراً من دم يوحي إلى جيل الغد البغضـاء |
ركزوا رفاتك في الرمال لواءَ يستنهض الوادي صباح مساءَ |
تلك الصحارى غمد كل مهندٍ أبلى فأحسن في العدو بلاء |
جرح يصيح على المدى وضحية تتلمس الحرية الحمراء |
إن البطولة أن تموت من الظما ليس البطولة أن تعبّ الماء |
خُيّرتَ فاخترتَ المبيت على الطوى لم تبن جاهاً أو تلم ثراء |