د. سامر شرّي
لطالما شعر المؤمنون من بعد النبي أنهم أهل الحسرة وقلة الحظ لأن اللَّه سبحانه لم يمنّ عليهم بمعاصرته ولقائه والتشرف بمصاحبته واتباع أوامره ونواهيه وخدمته والقتال دونه، ولطالما شعر هؤلاء أيضاً أنهم يعيشون وضعية خاصة في ظل غيبة قائمهم عجل الله فرجه، فتزايدت حسراتهم حسرات. ولكن هؤلاء ذكرهم النبي صلى الله عليه وآله بالتحية والسلام وميّزهم عمن عاصروه بأقوال خالدة وصفات تُشعرهم بالافتخار، بما يدفعهم لمعرفة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، سواء بالتمهيد لبقية أهل بيته في الأرض، أو القيام بواجباتهم اتجاه دينه على المستوى الشرعي والأخلاقي والجهادي والاجتماعي حتى يكونوا أهلاً لما وصفه فيهم.
هؤلاء وصفهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله "بالإخوان" حيث ذكر جمع من رواة الشيعة والسنّة كالإمام مالك في الموطأ ج1 28، وأحمد بن حنبل في المسند ج3 155، وابن عساكر في تاريخه ج30 139، وابن حجر العسقلاني في سبل السلام ج4 127 أن النبي صلى الله عليه وآله قال في محضر صحابته: "وددت أني لقيت إخواني. قالوا: أوليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني". وأورد القرطبي في تفسيره ج5 163 أن النبي كان يقول: "واشوقاه إلى إخواني، الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني". فماذا عن هؤلاء "الإخوان"، ومن هم، وما هي صفاتهم وحالهم، وبم اكتسبوا شرف أخوته؟! للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من استعراض مجموعة الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بهذا الباب ليفهم المغزى من كل ذلك.
1 - إنهم أفضل أهل الإيمان إيماناً: ودليل ذلك رواية وردت عن عمر بن الخطاب في مسند أبي يعلى الموصلي ج1 147 قال: كنت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جالساً، فقال: أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيماناً، قالوا: يا رسول اللَّه الملائكة. قال: هم كذلك ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قالوا: يا رسول اللَّه، الأنبياء الذين أكرمهم اللَّه برسالته والنبوة. قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها؟ بل غيرهم. قالوا: يا رسول اللَّه، الشهداء الذين استشهدوا مع الأعداء. قال: هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أكرمهم اللَّه بالشهادة مع الأنبياء؟ بل غيرهم قالوا: فمن يا رسول اللَّه؟ قال: أقوام في أصلاب الرجال، يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقون بي ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً. وأورد ابن حجر في فتح الباري ج7 5 قول النبي أنهم أفضل الخلق إيماناً.
2 - إنهم متعمقون في العلم: روى الكليني في الكافي عن عاصم بن حميد ج1 - 91 بطريق علي بن الحسين عليه السلام أنه سئل عن التوحيد فقال: إن اللَّه عزَّ وجلَّ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل اللَّه تعالى: قل هو اللَّه أحد.
3 - إنهم عاملون بالكتاب والسنّة: روى ابن كثير في تفسيره ج1 - 44 عن أبي جمعة الأنصاري قال: قلت يا رسول اللَّه، هل من قوم أعظم منا أجراً؟ آمنا بك واتبعناك. قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول اللَّه بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء؟ بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب اللَّه بين لوحين، فيؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً.
4 - إنهم ثابتون على ولاية أهل البيت ممتحنون: روى المجلسي في بحار الأنوار ج52 - 125 عن عمرو بن ثابت قال: قال سيد العابدين: من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه اللَّه أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد. وفي دعوات الراوندي: مثله، وفيه: من مات على موالاتنا... وبطريق جابر بن عبد اللَّه الأنصاري من رواية القندوزي في ينابيعه ج3 - 399 حول غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه: ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلا من امتحن اللَّه قلبه للإيمان.
5 - إنهم مجاهدون مستشهدون: روى المجلسي في بحاره ج42 - 155، وشاذان بن جبرائيل القمي في الفضائل ص107 أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس. واشوقاه إليك يا أويس القرني، ألا من لقيه فليقرئه عني السلام، فقيل: يا رسول اللَّه، ومن أويس القرني؟ فقال صلى الله عليه وآله: إن غاب لم يتفقدوه وإن ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته إلى الجنة مثل ربيعة ومضر. آمن بي وما رآني، ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين في صفين. وحسبك ما روي من أحاديث كثيرة عن قوم آخر الزمان الذين يجاهدون بين يدي بقية اللَّه في أرضه ويستشهدون بين يديه. هذا من دون أن ننسى أولئك الذين يجاهدون في عصر الغيبة تحت عنوان التمهيد للظهور المبارك، والذي بدأ مشروعه عملياً منذ قيام الجمهورية الإسلامية وامتد إلى أقطار أخرى وتجلت مظاهره في لبنان. فأي يقين يقاتل على أساسه أولئك، وأي يقين يدفعهم إلى تقديم أنفسهم قرابين شهادة إلى معشوقٍ لم يروه أبداً؟
6 - إنهم أهل صلاح وتقوى: ففي رواية الآمدي في إحكامه ج1 -210 أن رسول اللَّه قال: واشوقاه إلى إخواني. قالوا: ألسنا إخوانك؟ فقال: أنتم أصحابي، إخواني قوم يأتون من بعدي يهربون من شاهق إلى شاهق، ويصلحون إذا فسد الناس. وخطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة، فتبرم من ناسها لعصيانهم أمره ثم دعا عليهم إلى أن قال: حبذا إخواني الصالحون، إن دُعوا إلى الإسلام قبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وندبوا إلى الجهاد فطلبوه، فحقيق لهم الثناء الحسن، واشوقاه إلى تلك الوجوه، ثم ذرفت عيناه ونزل عن المنبر.
7 - إنهم من أهل الانتظار للقائم عجل الله فرجه: في هذا الباب شواهد كثيرة عليه، ننتخب منها ما ورد عن الصدوق في كمال الدين ص17 في تفسير قوله تعالى: "هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب" قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: من أقر بقيام القائم أنه حق. وقال مرة: المتقون: شيعة علي عليه السلام، والغيب: فهو الحجة الغائب وشاهد ذلك قول اللَّه عزَّ وجلَّ: ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب للَّه فانتظروا إني معكم من المنتظرين. وحسبك قوله المشهور صلى الله عليه وآله: أفضل العبادة انتظار الفرج. في مقابل كل هذا، لا يشكنّ أحد ولا يغترن بأن كل مؤمن بعد عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مشمول بما سبق وذكرناه من أقوال رسول اللَّه وأهل بيته عليهم السلام، فالروايات متضافرة في ذكر مساوئ أقوام آخر الزمان ممن تلبس بالإسلام وتنسك حتى تخال أحدهم من أهل الطهر والتقوى وهو بعيد كل البعد عنها بل هو للمرائي أقرب. روى العلامة الحلي في كتابه مختلف الشيعة ج4 - 461
عن الباقر عليه السلام قال: يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، يتبعون زلات العلماء وفساد أعمالهم. يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكْلمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها. فطوبى للقابضين على دينهم كالجمر في أكفهم، وطوبى لمن فر بدينه من شاهق إلى شاهق أيام وطأة السلاطين والرؤساء غير محولين ولا مبدلين. طوبى للثابتين على الولاية لأهل البيت عليهم السلام، وطوبى لكل من انضم إلى قافلة النبي صلى الله عليه وآله حتى ولو لم يره. وطوبى لمن رفع يده ملبياً النداء والسلام وقال: واشوقاه إليك يا رسول اللَّه.