مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مراقبات شهر رجب الأصب‏

السيد بلال وهبي‏

 



سبحانك ربنا خلقت عبادك وأنت العارف بهم، تذهب بهم الشهوات ذات اليمين وذات الشمال، ويأتيهم الشيطان صباحاً مساءاً من بين أيديهم ومن خلفهم يوسوس في صدورهم، كثير منهم يعطونه القياد من أنفسهم، والذين استخلصتهم لسرك هم الناجون. ولعلمك بحالهم هذه تمنحهم الفرصة عقيب الفرصة، علهم يتوبون. تمنحنا كل عام هدية منك وما أغلاها: شهر رجب الأصب، يليه شعبان، ثم شهرك شهر رمضان، شهور ما أعزها على قلب المحب الذي يريد أن يأنس بك ويدنو إليك، وهو يعلم أن شهر رمضان لا يلج إليه إلا من باب شعبان، وشعبان ينحصر الطريق إليه برجب.

فها نحن نلج باب هذه الأشهر الثلاثة نستقبل شهر رجب الأصب، وهو شهر عظيم المنزلة عند الله تعالى، ينتظره العباد يوماً بعد يوم، فإذا ما رأوا هلال رجب تهللت الوجوه، فرحاً بمقدم شهر تصب فيه الرحمة كوابل المطر فتروى قلوب عطشى لذكر الله عز وجل. فما هي مستحبات هذا الشهر المبارك، وكيف ينبغي أن يكون العبد العارف فيه؟ هذا ما أود أن أشير إليه لماماً ذاكراً أهم المستحبات، ومن أراد التوسع في هذا فعليه العودة إلى الكتب التي تكفلت بهذا الأمر.

أولاً: الاستهلال للشهر والدعاء عند رؤية هلاله، فقد ورد في النصوص الشريفة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يستهل لشهر رجب كما لغيره من الشهور فإذا ما رأى الهلال دعا فقال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا شهر رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، وحفظ اللسان، وغض البصر، ولا تجعل حظنا منه الجوع والعطش(1). وقد ورد فضل كبير لقراءة سورة الفاتحة سبع مرات حين رؤية الهلال بداية شهر رجب، وأن من قرأها عند رؤيته عافاه الله تعالى من رمد العين.

ثانياً: الاغتسال بداية الشهر، وهذا أمر تشترك فيه الشهور كلها وإن كان ينبغي الاهتمام الزائد به بداية الأشهر الثلاثة وقد ورد في الروايات الشريفة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

ثالثاً: الدعاء في الليلة الأولى: فعن رسول صلى الله عليه وآله: "إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملكاً يقال له: الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كل ليلة منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، ويقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر لمن استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم بي وصل إلي"(2). ولقد لفتني في هذه الرواية قارئي الكريم جملة ومن استهداني هديته فهي معلم واضح في هذه الرواية، فأما غيرها فتشترك فيه الشهور الثلاثة، ولعل في الإمكان القول: أن من ابرز ما ينبغي الحرص عليه في شهر رجب طلب الهداية من الله. ولقد ذكرت النصوص أدعية مخصوصة لليلة الأولى من رجب وهي كثيرة يمكن الرجوع إليها في كتب الأدعية كمصباح الكفعمي ومفاتيح الجنان وغيرها.

رابعاً: الصلاة: وقد ورد الكثير من أنواع الصلوات التي يستحب للمؤمن أن يواظب عليها طيلة شهر رجب، فلكل ليلة منه صلاة، ولبعض الليالي المخصوصات صلاة. وألفت هنا إلى أمر في غاية الأهمية: إن كثيراً من المؤمنين يتبرمون ويستعظمون كثرة الركعات والصلوات التي يستحب لهم أداؤها في المناسبات المخصوصة والتي يقرأون فيها السور نفسها مرات عديدة، نعم يستعظمون الأمر كثيراً ولذا ألفت عناية القراء الكرام إلى: أن الجنة لا تنال من دون تعب، والفوز بلقاء الله ورضوانه الأكبر لا يناله العبد وهو نائم على الفراش الوثير، إن الجنة لا تنال إلا بالجد والاجتهاد والصبر على مشقة العبادة، فهذا النبي محمد صلى الله عليه وآله كان يقوم في صلاته حتى تتورم قدماه. أن التشريع الإسلامي قائم على قاعدة أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمن لم يكن قادراً على أداء الواجب، نعم الواجب، يسقط عنه القدر الذي فيه مشقة، فكيف إذا كان المطلوب منه أمراً مستحباً، ولهذا يمكن للمؤمن الراغب بثواب الله ورضوانه أن يؤدي من المستحب ما هو قادر عليه فأما ما يصبح متعباً له فيمكنه أن يختصر منه.

خامساً: الدعاء اليومي، فيستحب الدعاء كل يوم من رجب بهذا الدعاء: يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، لكل مسألة منك سمع حاضر وجواب عتيد، اللهم ومواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تقضي لي حوائجي في الدنيا والآخرة. بالإضافة إلى أدعية أخرى مهمة مذكورة في كتب الأدعية.

سادساً: إحياء ليلة الرغائب: والمراد منها ليلة أول جمعة من شهر رجب، وهي ليلة عظيمة الشأن جليلة القدر يكفي أن أذكر لك قارئي الكريم الرواية التالية عن رسول الله صلى الله عليه وآله لتقف على عظمتها وكرامتها، فقد سئل النبي صلى الله عليه وآله عن معنى قوله: رجب شهر الله، فقال: "لأنه مخصوص بالمغفرة، فيه تحقن الدماء، وفيه تاب الله على أوليائه، وفيه أنقذهم من نزاعه"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من صامه كله استوجب على الله ثلاثة أشياء: مغفرة لجميع ما سلف من ذنوبه، وعصمة فيما بقي من عمره، وأماناً من العطش يوم الفزع الأكبر". فقام شيخ ضعيف فقال: يا رسول الله إني عاجز عن صيامه كله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "صم أول يوم منه، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وأوسط يوم منه، وآخر يوم منه، فإنك تعطى ثواب صيامه كله، ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة فيه فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لم يبق ملك في السموات والأرض إلا يجتمعون في الكعبة وحواليها ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم: يا ملائكتي سلوني ما شئتم، فيقولون: ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوام رجب، فيقول الله تبارك وتعالى قد فعلت ذلك"(3). وليس لهذه الليلة أعمال أو أدعية مخصوصة سوى صلاة ذكرت في بعض الكتب، والمهم أن يحييها العبد بعد قراءة دعاء كميل بما طاب له من الدعاء والذكر والصلوات.

سابعاً: إحياء ليلة النصف من رجب: فهي من الليالي المباركة، وقد دل على بركتها أعبد أهل الأرض محمد صلى الله عليه وآله حيث قال: "إذا كان ليلة النصف من رجب أمر الله تعالى خزان ديوان الخلائق وكتبة أعمالهم فيقول لهم: انظروا في ديوان عبادي وكل سيئة وجدتموها فامحوها وبدلوها حسنات"(4). ويستحب لهذه الليلة الغسل وإحياؤها بالدعاء ومطلق الذكر، وزيارة الحسين عليه السلام.

ثامناً: يوم النصف من رجب: وهو من الأيام العبادية المهمة في سنة المؤمن، ولهذا اليوم أعمال ذكرتها الروايات المباركة، لكن أهمها على الاطلاق عمل أم داوود، قال السيد الأمين رحمه الله : وهو عمدة أعمال هذا اليوم وهو عمل عظيم موصوف بالإجابة، مجرب لقضاء الحاجات وكشف الكربات ودفع ظلم الظلمة.

تاسعاً: ليلة المبعث الشريف: وهي من أعظم الليالي على الإطلاق، ففي يومها بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله رسولاً للعالمين يحمل إليهم الهدى والرحمة. قال الإمام الجواد عليه السلام: "في رجب ليلة هي خير للناس مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين منه نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله في صبيحتها، وإن للعامل فيها من شيعتنا مثل أجر عمل ستين سنة". يستحب الغسل لهذه الليلة وزيارة النبي والأئمة من آله سلام الله عليهم أجمعين. كما يستحب إحياؤها بالذكر والصلوات والاستغفار وهنا أحيل القارئ الكريم على كتب الأدعية التي تكفلت ببيان هذه الأمور. وقبل أن أنهي الحديث عن مستحبات شهر رجب، أود أن أوصي نفسي أولاً وأوصي القراء الكرام أن يحرصوا على الإستزادة من عطاءات هذه الشهور الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، وأن يستثمروا تلكم الفرص التي وفرها الله لعباده وإضاعة الفرصة غصة كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خصوصاً أننا في زمن كل ما فيه من مظاهر تشدنا إلى الأرض، إلى الدنيا وشهواتها وغرائزها، علنا نوفق للفوز بهداية الله تعالى ورضوانه.


(1) بحار الأنوار، ج‏95، ص‏376.
(2) بحار الأنوار، ج‏95، ص‏377.
(3) بحار الأنوار، ج‏95، ص‏395.
(4) مفتاح الجنات، ج‏3، ص‏41.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع