الشيخ يوسف سرور
إذا كان العقلاء من الناس قد حددوا أهدافاً لأنفسهم في هذه الحياة، فلا بد أن يكونوا قد جعلوا هذه الأهداف تتويجاً لما يقتنعون به من أفكار، ولا بد أن تكون هذه الأهداف منسجمة، مع اعتقاداتهم، متناسبةً مع ثوابتهم ومسلماتهم في هذه الحياة. وليس من الصحيح أن تكون ثمة أهداف من غير أن يتم السعي من أجل تحقيقها والوصول إليها. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن يحدد هؤلاء برامج وآليات، تتناسب من جهة مع تلك المسلمات والثوابت، وتكون قابلة للتطبيق من جهة ثانية وفق تلك الأصول. ومن جهة ثالثة، من اللازم أن تكون هذه البرامج في حال تطبيقها مؤديةً وموصلة إلى تلك الأهداف، وإلا فلا بد أن يكون هناك تهافت حينها بين رسم الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم، وبين تلك الآليات والبرامج.
بناءً عليه، فكلما كان المرء جاداً في التزام ثوابته وأصوله، كان جاداً بنفس المقدار بالتزام الآليات والأساليب المتوافقة معها ، سعياً في طريق بلوغ أهدافه ومراميه. وبالعكس أيضاً، فكلما كان لا مبالياً في حياته، أو كان مستخفاً بقيمه ومبادئه وأصوله وثوابته، كان أقل التزاماً بتلك الآليات والبرامج، وأبعد عن التمسك بها والمحافظة عليها. وحينها، سوف يسلك الطريق الذي يبعده عن أهدافه، ويؤدي به إلى غايات ومقاصد أخرى. وسوف يجد المرء نفسه في نهاية المطاف في موقع غير الذي يريده، وفي المكان الذي لم يرمِ الوصول إليه. وسوف يجد أن الأهداف التي حدّدها بعيدة المنال، ولن يحصّل حينها سوى الخيبة والخسران. عندما تكون الأهداف سامية والغايات شريفة، فهي حينها تستحق السعي من أجل تحصيلها أكثر، وتستدعي التضحية في سبيل بلوغها أكثر. إذا كان العقلاء كذلك، فكيف إذا كان سيد العقلاء هو الذي حدّد غاية الحياة من الخلق، وهي أسمى الغايات التي يمكن أن يبلغها عاقل، بل أسمى الغايات التي يحدّدها عاقل. فإن هدف الحق من الخلق هو بلوغهم ما أمكنهم الكمالات التي أعدّها لهم، بناءاً على ما زرع فيهم من قابليات واستعدادات، يمكن للإنسان أن يفجرها، ويبلغ الذروة في جعلها طاقات وكمالات فعلية من خلال التزامه ما يلي:
الاعتقاد الصحيح بالأسس والمسلمات والعقائد الحقة التي تجعل من الحق المؤهل الوحيد للارتباط به عبر الالتزام الروحي والمعنوي والمبدئي، في الفكر والعاطفة والشعور، وجعل القلب مرتعاً لجنود الحق، طارداً بذلك كل إمكانية لوسوسات الشيطان، وتسويلاته؛ مبعداً لكل تزيينات الميول والرغبات والأهواء النفسانية التي تحرف المرء عن تلك الغايات والمقاصد. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال التقيّد بتشريعات الحق الواصلة إلينا عبر الأنبياء والكتب والرسالات، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بالإسلام: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين﴾(1). فكلما كان الإنسان ملتزماً بهذه التشريعات، عاملاً بأوامرها، التي عبرت عنها الشريعة بالواجبات، تاركاً لنواهيها التي عُبّر عنها بالمحرمات، كان إمكان بلوغ الغايات أقرب، وكانت الطريق إليها أقصر، وهو ما عبر عنه تعالى بالصراط المستقيم:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم﴾(2)." ويكون حينها عمل المرء في عهدة الحق تعالى الذي يصرح بأنه لا يضره بُعد الخلق عنه، ولا ينفعه قربهم منه: "لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"(3). وكلما كان الإنسان واضعاً هذه الأهداف والغايات نصب عينيه، كلما كان قريباً عن التزام هذه الشريعة وهذه القيم، وكلما تلهى الإنسان بالغايات الأنية والأهداف المرحلية، كلما كان أبعد عن بلوغ الأهداف السامية، وكان ما يُعرف بالفساد مسيطراً على تصرفاته وأعماله متحكماً بارتباطاته وعلاقاته، موجهاً لأعماله ومشاريعه. وكلما كان المرء مؤثراً في محيطه كان تأثيره في نشر الفساد أكبر، وكانت مساهمته في ترويج المنكر أكثر. لذلك يجب أن نكون أكثر رحمة بأنفسنا ومحيطنا، حتى لا نبتعد عن أهدافنا وغاياتنا الحقة، ولا يكون مصيرنا الخسران والندامة. وحتى لا نكون من الأسباب التي تجعل من يحيط بنا يبوء بالندامة ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(4). ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَاد﴾(5).
(1) سورة آل عمران، الآية: 85.
(2) سورة الفاتحة، الآية: 6.
(3) نهج البلاغة خطبة المتقين تحت الرقم 193.
(4) سورة الشعراء، الآية: 89.
(5) سورة التحريم، الآية: 6.