مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التربية الدينية في مواجهة فساد العولمة

د. حبيب فياض‏

 



لقد أعطى الإسلام أهمية خاصة واستثنائية لمقولة "التربية الدينية" في إطار منظومته الأخلاقية والاجتماعية، وذلك لأن العامل التربوي شكّل على الدوام موجِّهاً أساسياً نحو الالتزام بالتعاليم الإلهية ومعياراً يتسنى معه ضبط حركة الفرد المسلم نحو المقاصد العليا للإسلام. في مقابل ذلك نجد أيضاً أن الإسلام قد اتخذ من موضوع "الفساد" هدفاً أساسياً يسعى إلى مواجهته والحد من آثاره الفردية والاجتماعية، هذا إذا كان متعذراً إزالته ومحوه بالكامل، إذ يمكن القول أن مجمل الدعوة الإسلامية تقوم في جوهرها على تربية الإنسان ومواجهة الانحراف والفساد الذي من الممكن أن يبتلى به انطلاقاً من دوافع ذاتية غرائزية أو نتيجة ظروف موضوعية خارجية، وسواء أكان ذلك الابتلاء على المستوى الإعتقادي (النظري) أو على المستوى السلوكي (العملي).

وبين "التربية الدينية" بما هي برنامج وقائي يتكفل بصقل شخصية الإنسان وضمان استقامته وسعادته، و"الفساد" بما هو حالة مرضية من الممكن أن يبتلى بها أي إنسان، يبرز دور النفس كنقطة تجاذب ومحل متنازع عليه بين النظرة السليمة، من جهة، والنفس الأمارة بالسوء، من جهة ثانية... حيث نلاحظ أن القرآن الكريم قد ربط بوضوح بين فلاح الإنسان ومواصفات النفس التي يحملها: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس: 10) فالنفس هي الأساس في تحديد مسلكيات الإنسان وأخلاقياته وقيمه... وكل ما يصدر عن الإنسان من أفعال في أي مجال من المجالات إنما هو انعكاس لصفة النفس التي تحركه. وتنبع أهمية النفس ودورها في استقامة الإنسان أو انحرافه من كونها تشتمل على قوتين متقابلتين تجسدان صراع الإرادة بين الخير والشر في الوجود، وهما: الفطرة والغريزة، فجاء الإسلام ليؤكد على ضرورة بقاء الإنسان على فطرته التي فطره اللَّه عليها وتمسكه بها باعتبارها عامل هداية ومنطلقاً نحو تكامل الإنسان وسعادته في الدارين... وفي المقابل حث الإسلامُ الإنسان على ضبط الغريزة والتخلي عن الأهواء والتوازن في التعامل مع الملذات والشهوات، وبذلك كله يأتي دور "التربية الدينية" في مواجهة "الفساد" من خلال برنامج عبادي، تشريعي، أخلاقي، سلوكي، ترفيهي، معرفي... حيث تكمن أهمية مثل هذا البرنامج من أنه ينطلق من تعاليم الشريعة السمحاء في تحديد احتياجات الإنسان وطريقة التعامل مع الأهواء النفسانية والآفات الاجتماعية.

على هذا، تصبح العلاقة بين التدين والفساد علاقة تعاند ومنافاة، فلا يمكن كون الفرد متديناً وفاسداً في آنٍ واحد ومن جهة واحدة إذ كلما اتصف الإنسان بالفساد فإن ذلك سيكون على حساب علاقته بربه والتزامه الديني وتمسكه بالفطرة، والعكس صحيح أيضاً، أي إن الالتزام الديني والتحلي بالفضائل الأخلاقية سوف يؤدي إلى الابتعاد عن الرذائل والتخلي عن المفسدات. لهذا نجد أن الإسلام الحنيف قد أكد على العامل التربوي بشقيه النظري والتطبيقي كضرورة لتحقق الهداية التي تكفل بها في أبعادها كافة فاعتبر أن لا قيمة للعقل والتفكير ما لم يكن مقروناً بالعقيدة الحقة، أي عقيدة التوحيد واشترط تزكية النفس حتى تتحقق القيمة المرجوة من العلم والمعرفة، كما قرن العبادات والنتائج المرجوة منها بالعمل الصالح والانتهاء عن الفحشاء والمنكر. ما تقدم يفسح في المجال أمام تسليط الضوء على خطورة الوضع الذي يعيشه العالم الإسلامي لناحية الفساد الذي أخذ يتبلور كظاهرة متكاثرة ويُعمل على تكريسها وفق مخططات مدروسة ومبرمجة، وذلك كله في إطار تحديات العولمة القادمة من الغرب المختلف والمعادي، وما تحمله هذه التحديات من قيم وثقافات وممارسات تتسرب إلى المجتمع بهدوء، متجاوزة لكل الحدود والموانع والضوابط وهي تستهدف تمييع الشخصية الملتزمة وتفكيك الأسرة وضرب القيم الدينية لما تمثله هذه الأمور من حصانة ومناعة لمواجهة مخططات الغزو الثقافي الذي بات أكثر فعالية وخطورة من الاجتياحات العسكرية. ولعل الخطورة الأكثر بروزاً في موجة الفساد التي تجتاح العالم الإسلامي تكمن في تعذر وضع الحواجز والسدود أمامها في ظل ثورة المعلوماتية وتقنيات الاتصال الحديثة من فضائيات وانترنت وإلخ، ما يعني أن السبيل الأنجع لمواجهة الحملة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية يتمثل في التأسيس السليم والمنهجي والشامل لبرامج التربية الدينية تمهيداً لتطبيقها بشكل منظم وفاعل في مختلف دوائر المجتمع وفي مختلف الأوساط بدءاً من الأسرة مروراً بالمدارس والجامعات وصولاً إلى مختلف مؤسسات المجتمع الأهلي. لأن التمسك بالقيم الدينية وتربية الأجيال على التمسك بالتعاليم الدينية يؤدي إلى تثبيت الهوية الإسلامية وتحصين الفرد ومناعته في مقابل ما تحمله ابتكارات العقل الغربي والدعاية الغربية من أسلحة فتاكة ترمي إلى الإفساد كمقدمة للهيمنة والسيطرة على الشعوب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع