مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أولويات المسلمين على ضوء خط الإمام الخميني قدس سره


د. حبيب فياض‏


لقد أسس الإمام الخميني طوال فترة مسيرته الجهادية لمشروع إسلامي حضاري مترامي الأطراف ومتعدد الأبعاد، ينطلق من مرتكزات إسلامية، ويهدف أولاً وبالذات إلى تطبيق الإسلام بمجالاته وأبعاده كافة، وإعمال القيم والتعاليم الإسلامية في أوساط سائر المسلمين داخل إيران وخارجها، وبالتالي فإن الالتزام بالإسلام والدفاع عنه ظل، على الدوام، هدفاً مركزياً ملازماً للإمام على مدى حياته الشريفة.

يقول قدس سره:"حفظ الإسلام هو أهم جميع الواجبات، ولأجله جاهد الأنبياء وضحى غاية التضحية الأنبياء العظام والأولياء..."(1). من هنا، شكل المشروع الحضاري للأمة لناحية بلورته وإعماله ودفع الأمة إلى تبنيه هماً مركزياً لدى الإمام الخميني رضي الله عنه حيث تجلى هذا المشروع في ثلاثة أبعاد أساسية: الأول هو البعد المضموني الذي شكلت تعاليم الإسلام وإرشاداته مادته الأساسية وجوهره، ذلك أن الإسلام بحسب ما يرى الإمام يشتمل على كل العناصر التي من شأنها تحقيق سعادة البشر في الدارين، والثاني آلي منهجي على صلة بالطريقة التي اتبعها الإمام رضي الله عنه في سبيل التغيير من خلال طرح هذا المشروع كبديل عن الواقع الفاسد والمأساوي الذي عاشه المسلمون، ويتمثل البعد الآلي هنا بالنهج الثوري لما يمثله من أداة ناجعة، ولما يستبطنه من عناصر قوة تتيح مواجهة غطرسة الاستعمار والأنظمة الموالية له. أما البعد الثالث فهو بعد غائي يتمثل في الأهداف الإلهية بما هي مقصد يراد تحويل حركة المجتمع باتجاهه ابتغاء مرضاة اللَّه وبلوغ الأعمال وتحقيق السعادة البشرية في الدارين، إذ يبقى الإنسان في هذا الخضم محوراً من جهة كونه خليفة اللَّه ومكلفاً بحمل الأمانة الإلهية... يقول الإمام:"الإسلام جاء لصناعة الإنسان، فالإسلام قادر على تربية الإنسان ليسمو من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الروحانية"(2).

بناء على ما تقدم، لا يصح اختزال اهتمامات الإمام في بعد إسلامي دون الأبعاد الأخرى، فالإمام لم يكن مجرد فقيه يقتصر دوره على الإفتاء للمكلفين، كما لم يكن رجل فلسفة أو أدب أو سيرة أو كلام أو رجال، بل كان رجل الإسلام بامتياز، حيث تجسدت في شخصيته وأفكاره كل الأبعاد المكونة للمشروع الحضاري الإسلامي، كما تركزت كل حركته نحو استخراج التعاليم الإسلامية من بطون الكتب وتحويلها إلى واقع معاش ومشهود. لهذا كله، لم تكن الثورة من حيث هي أداة للتغيير تمثل من قيمة لدى الإمام الخميني إلا بمقدار ما تفضي إلى تحقيق المشروع الحضاري الإسلامي.

وتحقيق هذا المشروع، مرتبط برمته بمجموعة من الأولويات التي تمسك الإمام رضي الله عنه بها وطالب المسلمين الالتزام بها والعمل بمقتضاها على شكل واجبات لا يجوز التخلي عنها، وأهمها:
أولاً: العمل على إقامة الحكومة الإسلامية باعتبارها تجسيداً لكافة التعاليم التي جاء بها الوحي الإلهي، يقول الإمام الخميني رضي الله عنه:"الفلسفة العملية للفقه تتجسد في الحكومة الإسلامية"(3) ويقول أيضاً:"الإسلام والحكومة الإسلامية ظاهرة إلهية يؤمن العمل بها سعادة أبنائها في الدنيا والآخرة بأفضل وجه"(4). لهذا اعتبر الإمام أن الالتزام بالإسلام مقرون بالعمل على إقامة الحكومة الإسلامية، فالعمل على إقامة مثل هذه الحكومة واجب لا يمكن التخلي عنه وذلك بمعزل عن النتيجة لناحية الإخفاق أو النجاح. وهو يشير إلى هذه المسألة بقوله:"إن تأخر بلوغنا جميع الأهداف لا يعني أننا تخلينا عن مبادئنا، نحن جميعاً موظفون بأداء التكليف وليس بتحقيق النتيجة"(5). ويقول أيضاً:"ما تطرحه هذه الحكومة هو الإسلام وأحكامه السامية، وعلى الشعب أن يسعى لتحقيق الإسلام بجميع أبعاده وحفظه وحراسته"(6).

ثانياً: الولاء بالطاعة لقائد الأمة في إطار مفهوم ولاية الفقيه، ذلك أن الأمة بحاجة إلى فقيه عادل يقود الأمة على هدي الإسلام نيابة عن الإمام المعصوم عليه السلام. ولقد اعتبر رضي الله عنه هذه المسألة بمثابة البديهة التي لا تحتاج إلى دليل:"ولاية الفقيه هي من المواضيع التي يوجب تصورها التصديق بها، فهي لا تحتاج لأية برهنة"(7).

ثالثاً: ومن الواجبات الأساسية للمسلمين الوحدة بينهم، ذلك أن الفرقة بحسب ما يرى الإمام سوف تتسبب بتضعضع كيان المسلمين وفشلهم وذهاب ريحهم، لذلك اعتبر رضي الله عنه مسألة الوحدة شرطاً ضرورياً لبلوغ الهدف:"النزاع مهلك في جميع صوره... وصيتي للمسلمين أن يقووا انسجامهم ووحدتهم بكل طريق ممكن ليزرعوا اليأس في قلوب الكفار والمنافقين"(8).

رابعاً: درء الخطر الخارجي ومواجهة الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا التي جعل الإمام مخالفتها ملاكاً ومعياراً في تقويم حركة الأمة والتي جاهر الإمام، في وصيته، بالفخر بمعاداتها،"نفخر بعدائنا لأميركا الإرهابية"(9). ومن أهم مصاديق الاستعمار وإفرازاته في بلاد المسلمين"إسرائيل" التي أكد الإمام رضي الله عنه على ضرورة إزالتها من الوجود ودعم القضية الفلسطينية وتحرير القدس"إن مسألة فلسطين هي القضية الإسلامية العالمية الأولى، والمسؤولية الكبرى لشعبنا وحكومتنا وجميع الشعوب والحكومات المسلمة هي اجتثاث جذور الغدة السرطانية الإسرائيلية وإنقاذ العالم الإسلامي من أخطارها المدمرة"(10). وفي هذا الإطار تأتي أهمية يوم القدس الذي خصصه الإمام في آخر جمعة من شهر رمضان من كل سنة في سبيل الحفاظ على قضية القدس حيث في وجدان الشعوب المسلمة:"إن يوم القدس مجاور لليلة القدر، فيجب على المسلمين إحياؤه وجعله مثاراً لعظمتهم وانتباههم"(11).

خامساً: بناء الذات وتحصين الفرد المسلم من خلال تحصيل العلم بالمعارف الإسلامية وتزكية النفس، ذلك أن المسلم بما هو العامل الأساسي في التغيير لن يستطيع القيام بالمهام الموكلة إليه ما لم يزاوج بين العلم والتربية. يقول الإمام رضي الله عنه:"جميع الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء من أجل أن يكون الإنسان أفضل الخلائق، بفضل من التربية والتعليم الإلهيين... الإسلام يصنع الإنسان... التعليم ملازم للتربية ولا ينفك أحدهما عن الآخر"(12).


(1) الوصية الخالدة، ص‏15.
(2) التربية والمجتمع عند الإمام الخميني، مركز الإمام الخميني، ص‏31.
(3) من بيان خط الإمام، رجب 1409.
(4) الوصية الخالدة، ص‏21.
(5) من بيان خط الإمام، ص‏23.
(6) الوصية الخالدة، ص‏21.
(7) الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني، ص‏43.
(8) الوصية الخالدة، ص‏23.
(9) الوصية الخالدة، ص‏15.
(10) القضية الفلسطينية في كلام الإمام، ص‏35.
(11) بيان يوم القدس الصادر في 1979 8 16.
(12) مختارات من أقوال الإمام الخميني، ج‏3، ص‏30.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع