في البداية أشير إلى الجانب المادي للعمال؛ لاحظوا مجموعة العمال بشكل عام سواء أولئك العاملين في الصناعات والمصانع والكادحين فيها، أم أولئك الذين يعملون في المزارع، وبشكل عام لاحظوا هذه الفئة الكادحة والعاملة والتي يعد هذا اليوم يومها، وإنه بالطبع يوم للجميع. لاحظوا نشاط هذه الفئات العاملة والجوانب المادية، هل تتمتع بسلامة الروح وسلامة البدن أكثر من أرباب العمل؟ أكثر من أولئك الرأسماليين الذين يجلسون جانباً ولا يعملون، ويقضون أعمارهم بالبطالة؟ لو أن أحداً نظر إلى عمّالنا وشاهد سيماءهم وسواعدهم وصدورهم الواسعة وبشاشتهم وسمع نبراتهم، ثم شاهد مجلساً آخر اجتمع فيه أصحاب الرساميل والعاطلون الذين يجلسون في بيوتهم ويأكلون وينامون ولا يقدمون شيئاً سيشاهد هذا الناظر أن هؤلاء العمال هم شباب أصحاء ونشيطون، بينما أولئك إما نائمون أو خاملون أو يتأوهون من آلام قلوبهم ورؤوسهم، وهذا بسبب أن الذين ليسوا عمالاً بالمعنى العام، إنهم ليسوا كما تظنون أن عندهم يوماً سعيداً.
اعرفوا قدر العمل، فالعمل يحافظ على أمزجتكم سالمة، ولو بقي الإنسان عاطلاً فسوف تتوقف فعاليات وخلايا بدنه عن النشاط، أما الذي يمارس فعالية وعملاً ولو محدوداً فإن خلايا بدنه تنشط وتعمل وتعوض عن النقص، وقلّما تشاهدون في مجموعة من العمال من يكون مريضاً من بينهم ويشعر بالكآبة، والحمد للَّه، فإن الجميع يشعرون بالنشاط.
* قيمة العامل في الإسلام
انظروا إلى تلك المكانة التي وضعها الإسلام لكم، ولا بد أنكم سمعتم ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من أنه قبل يد العامل، أي تلك اليد التي أصبحت خشنة بسبب العمل، وهذه الحادثة تعكس مكانة العامل على طول التاريخ. فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي هو أعظم إنسان كامل، وهو أول أفراد الإنسان، تواضع للعامل بهذا الشكل، وقبّل يده التي هي علامة للعمل، وقد قبّل باطن اليد، لا ظهر اليد، وهذه ملاحظة مهمة إذا إن آثار العمل تظهر في باطن اليد، وإنه يريد من ذلك أن يبين قيمة العمل لبني الإنسان، ويقول للمسلمين بأن قيمة العمل تتجلى هناك حيث عمل العامل، وقد ظهرت علامة بسبب العمل، وأنا أقبّل ذلك المكان لكي تدرك الشعوب الإسلامية والبشرية قيمة هذا العمل. إننا وأنتم نفتخر جميعاً بهذا الوسام الذي قدمه الرسول الأكرم لكم، أو كما جاء عنه في بعض الروايات الأخرى أنه شبّه قطرة العرق المتصببة من جسم العامل بقطرة الدم الساقطة من جسم الشهيد في سبيل اللَّه، فكم لهذا من القيمة؛ إن العرق الذي يتصبب منكم في المصانع له نفس قيمة قطرات الدم التي تسيل في جبهات القتال من أولئك الذين لهم في كل يوم انتصارات. وسبب ذلك أنكم تكدحون من أجل إحياء البلاد أيضاً، وقطع تبعيتها للخارج، وتحقيق الاستقلال والذين في الجبهات هم عمال مثلكم وأنتم مجاهدون مثلهم، وهذه نعمة كبيرة كانت من نصيب العمال في طبقة واسعة. انظروا إلى الإسلام كيف يتعامل مع العامل وقد أشرت إلى الرجل الأول في الإسلام، أول شخص في الإسلام وكان علة الإسلام، وشارع الإسلام من قبل اللَّه تبارك وتعالى، كيف كان تعامله مع العامل، إذ قبّل يد العامل متواضعاً وأوجد هذا الفخر للعمال. وكان الرجل الثاني في الإسلام وهو علي بن أبي طالب سلام اللَّه عليه عاملاً، أي كان يحفر بئراً ويستخرج منها الماء، كان عاملاً، وكان يعمل من أجل إعاشة نفسه أيضاً، ورغم أنه قد حفر تلك الآبار بيده فإنه في نفس اليوم بحسب النقل الذي بايعوه فيه بالخلافة والإمامة وعندما انتهت البيعة قد حمل المسحاة بيده وذهب للعمل.
فيجب أن نقتدي جميعاً بهذين الرجلين العظيمين، وهما الرجلان الأولان في الإسلام؛ انظروا إلى هذا الاحترام الذي حصل عليه العامل في الإسلام بواسطة عمل هذين العظيمين والقيمة التي أعطاكم إياها، حيث قد جعل نفسه في مستواكم. ولم يقتصر ذلك على الإمام علي بن أبي طالب سلام اللَّه عليه، بل إن الإمام الصادق والباقر عليه السلام كانا كذلك، فقد نقلوا أنهما كانا يعملان في مكان، ونُقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنه كان يعمل في مكان ما رغم عمله الكثر؛ رغم عمله المعنوي الكثير وعمله الإعلامي، فقالوا له كما ينقل أترك لنا هذا العمل لكي نقوم به، لكنه أجابهم: إنني أحب أن أشعر بحرارة الشمس في بدني إزاء ذلك العمل الذي أريد أن أقوم به لنفسي. ويا لها من قيمة كبرى أن يقوم الرجل الأول في زمانه ورغم امتلاكه لتلك المنزلة بممارسة العمل بنفسه، مما يعلمنا قيمة العمل. الإسلام يهتم بالعامل، ويضع قيمة للعمل والعامل ويحترمهما؛ فكما ينظر إلى المجاهد والعالم فإنه ينظر إلى العامل والمزارع ولا يفرق بينهم، وإنهم كالمشط الذي تتساوى أسنانه. ويصرح القرآن الكريم أيضاً بأن الأفضلية هي ليست لامتلاك الثروة أو القوة وأمثال ذلك، بل هي للتقوى وللقيمة الإنسانية.
* حياة المجتمع رهينة بالعامل
إن العمال هم أكثر الطبقات قيمة، وأكثرهم نفعاً في المجتمعات، وتدور عجلة المجتمعات البشرية العظيمة بواسطة تلك السواعد القوية للعمال. وإن حياة شعب ما رهينة بالعمل والعامل؛ والعمل لا يقتصر على فعل معين، والعمال لا يقتصرون على فئة معينة خاصة، ولذا فإن يوم العامل هو يوم جميع أبناء الشعب... إن يوم العامل هو يوم دفن سلطة القوى العظمى، فالعمل بمعناه العام يؤمّن الاستقلال بجميع أبعاده لمستضعفي العالم، ويخلع السلاح من القوى الكبرى الناهبة.