السيد علي عباس الموسوي
ما كلَّف الله عزّ وجل عباده في هذه الدنيا بتكليفٍ إلا لمصلحةٍ راجعةٍ إلى هؤلاء العباد، فهو الغنيّ عنهم وعن أعمالهم، فلا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضرّه معصية من عصاه.
وتفضُّلاً منه على المطيع من عباده كان وعده بالثواب الجزيل والعطاء الجميل في الآخرة وعلى حسن الصنيع في هذه الدنيا.
ولاختلاف المصالح وتعدّدها اختلفت التكاليف. ولارتباط بعض هذه التكاليف بالأفراد وبعضها بالمجتمعات كانت التكاليف على نوعين: نوع يرتبط بالأفراد وواجباتهم ووظائفهم، ونوع يرتبط بالمجتمعات وواجباتها ووظائفها.
والالتزام كما ينبغي أن يكون من الفرد فيما يتعلّق بتكليفه الخاص، ينبغي أن يكون من الجماعة فيما يتعلّق بالتكليف العام.
وأخطر ما يحدق بالإنسان في هذه الدنيا أن لا يلتزم بالطاعة في كافة هذه التكاليف فيتوانى عن القيام بتكليفٍ فرضه الله عز وجل عليه. فيكون كمن يبني ثم يهدم، يبني بما يلتزم به ويقوم به من تكليف ويهدم بما يعصي ويتخلَّف عنه. وبهذا يخرج صفر اليدين في آخرته وتزداد حسرته حيث يرى أنّ ما التزم به لم ينفعه في آخرته.
والأشدّ خطراً ذلك النوع من التكاليف المرتبط بالجماعة، والذي يمتاز بسعة الخطر المحدق بها عند التخلّف عن أدائه، والذي قد يجد الشيطان فيه منفذاً أوسع من التكاليف المرتبطة بالفرد.
إذاً، الالتزام المطلوب من المكلف هو الالتزام التام، الذي لا يرتبط بميول ورغبات الفرد ولا بميول ورغبات الجماعة، كما لا يرتبط بنظر الفرد أو بما يراه وكذلك الجماعة، بل الالتزام التامّ بما يراه الله عز وجل وبما يحدّده رسل الله وأولياؤه المفوّض إليهم ذلك.
وهذا الالتزام لا يتمّ الا مع امتلاك البصيرة، التي تساعد على الحذر من الوقوع في المهالك لا سيما في المواطن التي يكون فيها الإنسان في موطن الاختبار بين ما يظهر له من الأمور وبين التسليم والطاعة لأولياء الأمر الذين فرض الله طاعتهم.
وقد رسم الله عز وجل للإنسان مساراً لو التزم به لأمكنه أن يضمن أداء الواجب المكلَّف بإتمامه وهو مسار التقوى.
التقوى التي تعني الاجتناب عن محارم الله والالتزام بطاعته لا تتحقّق إلا ضمن هذا الالتزام التام، ولا تظهر نتائجها وآثارها إلا ضمن التقيّد التام.
وهذه النتائج والآثار تظهر في الدنيا بإقامة المجتمع الصالح، الذي يجعل هذه التقوى شعاراً وبه يتمكَّن من الوصول إلى مقام الخلافة الإلهيّة.
كما تظهر في الآخرة بالحياة الخالدة التي وصفها الله عز وجل في كتابه بقوله:
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ ( الزمر: 73-74).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
مقاله رائعة
عاشقة الحسين
2013-06-02 22:05:45
بسم الله الرحمن الرحيم مقالة رائعة جدا،وفقكم الله دائما للتقوى ونيل رضاه...