مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آخر الكلام‏: غفوة في أحضان الانتصار

ايفا علوية ناصر الدين‏

 



عندما كنت أطلب من جدي أن يحكي لي عن قريتنا وأنا طفلة غابت عن عينيها مشاهد القرية القابعة تحت نير الاحتلال، كانت تخرج من أعماقه تنهيدة عميقة تتبعها نظرات سارحة، يعود بها إلى أحضان ذاكرته، وما يختزن في أعماقها من صور كان ينقلها إليّ بكلمات يستجمع في طياتها كل ما يمتلك من مشاعر الاعتزاز بالأرض التي ينتمي إليها، وكان يفيض عليّ بالحديث عن مناظر قريتنا الخلابة، وجمال موقعها كأعلى قمة في جبل عامل، وعن مناخها المميز للاصطياف، وعن جودة ترابها، وغنى حقولها، وعن بيوتها القديمة، وعن أشجارها ومزروعاتها، وعن رائحة التبع وحبات الزيتون وعناقيد الكرمة وأكواز التين، وكان يحكي لي قصصاً من تاريخها ويختم حديثه بمشاعر رقيقة عن تعلق الإنسان بأرضه وعدم تفريطه بحبة من ترابها.

كان يحكي لي عن كل شي‏ء إلا عن اليوم الذي خرج فيه منها مقهوراً مثل كل من تهجَّر بسبب مضايقات الاحتلال من أبناء المنطقة المحتلة، ربما لأنه لم يكن يريد أن يستعيد ذكرى ما حصل معه يومها حيث أنه لم يستطع أن يمنع عينيه من البكاء وكانت دموعه تجري رغماً عنه فاضحة ما كان يحاول أن يخفيه من الألم المعتصر في قلبه والغصة التي تجتاح كيانه لمغادرة الأرض التي فيها ولد وتربى، والتي يأبى أن يضمه غير ترابها في يومٍ من الأيام. قبل خمس سنوات رجع جدي إلى قريتنا وقد بكى يومها أيضاً لكنه لم يخفِ دموعه، بل أطلق لها العنان لأنها دموع الفرح والانتصار، دموع العودة إلى الأرض التي يعشقها، دموع الشكر للَّه سبحانه وتعالى ودموع الامتنان لسواعد أبطال المقاومة، وربما دموع الاطمئنان لذلك اليوم الذي كان يحسب له حساباً. قبل سنتين ونصف حلَّ ذلك اليوم ورحل جدي (رحمه اللَّه) عن هذه الدنيا لكنه لم يرحل عن قريتنا بل نام في أحضان ترابها عزيزاً، كريماً، ويكفيه ذلك انتصاراً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع