مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تحقيق: ساعات الحرب العصيبة على ألسنة المجاهدين‏

م.أ

 


عندما نذكر نيسان من العام 1996، يتبادر إلى الذهن صور المجازر الإرهابية التي ارتكبها العدو الصهيوني وفي المقابل تتمثل أمام أعيننا صور البطولة التي جسَّدها مجاهدو المقاومة الإسلامية الذين عقدوا العزم على إسقاط معادلة أمن بيروت مقابل أمن كريات شمونة. وأصروا على إطلاق الصواريخ تجاه المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة حتى الدقائق الأخيرة التي سبقت موعد وقف إطلاق النار ووضعوا نصب أعينهم حماية هذا الشعب الذي يستحق التضحية وبذل الدم. وهو الذي احتضن أبناءه المقاومين، وقاتل وصمد واستشهد في الحرب المدمرة، جنباً إلى جنب مع المقاتلين. فصنع هذا التلاحم الوطني النصر العزيز في عدوان عناقيد الغضب الذي انقلب زلزالاً أصاب كيان العدو وأجبره على سحب قواته مدحوراً مذلولاً من لبنان في 25 من أيار 2000م. في الذكرى التاسعة لعدوان نيسان تلتقي "بقية اللَّه" مع بعض المجاهدين الذين خاضوا تلك التجربة المشرِّفة والذين فتحوا قلوبهم لنا وجادوا بما ضج في النفوس من انطباعات ومشاعر عن تلك الأحوال والمآسي التي مرت عليهم، فصمدوا واحتسبوا أمرهم عند اللَّه تعالى، حتى نزل عليهم نصره وتسديده.

* روح جهادية عالية:
يشرح أبو جعفر (30 عاماً) كم كان صعباً نقل الصواريخ في ظل السيطرة الإسرائيلية على الجوّ والبرّ: "كنا إذا أردنا الخروج لرماية الصواريخ، نتعرض للموت ألف مرة. كان هناك صعوبة بالغة في التنقل داخل البلدة، فطائرات الاستطلاع لا تفارق السماء، وتعطي إحداثيات عن كل هدف متحرك، لتعمل الطائرات الحربية عادة أو المروحية أحياناً على الإغارة في غضون دقائق معدودة إن لم نقل لحظات، مداخل البلدة مرصودة وتقصف بشكل دائم. فكنا ننقل الصواريخ من حي إلى آخر، وإذا تأزم الوضع من سطح بيت إلى سطح آخر، فترى الشباب يحملون الصاروخ كما لو كان لوحاً خشبياً. فقد تعاملوا مع الظروف الصعبة بروح استشهادية عالية". ويعتبر أبو جعفر (33 عاماً) أن المقاتل الذي لا يضع عينه في عين اللَّه عزَّ وجلَّ لن يستطيع صبراً مع كل هذه الأهوال. فالحرب ليست لعبة، بل غارات متواصلة وقصف وتدمير وأرض محروقة. ولكن رغم كل ما مر علينا، بفضل اللَّه صبرنا وانتصرنا. ويروي لنا أبو جعفر القصة التالية: "بعد عناء يوم طويل في نقل وتربيض الصواريخ. كنا في جلسة استراحة وقد أخذ التعب منا كل مأخذ، في الخارج كان تحليق الطائرات كثيفاً وهناك قصف عشوائي، في هذه الأثناء جاء الأمر لأحد الأخوة الناشطين في مجال رمي الصواريخ استشهد لاحقاً في الحرب بأن يطلق صلية من الصواريخ. قال له الشباب: كيف ستخرج في هذا الوضع، وأنت متعب... فرد عليهم بحزم: هذا الأمر هو تكليف ويجب علينا تنفيذه مهما كان الثمن. وبالفعل خرج ونفَّذ المهمة وعاد بسلام، فهذه الروحية هي التي جعلت شباب المقاومة يتحدون المستحيل، ويقهرون آلة الحرب الإسرائيلية". ويحدثنا أبو قاسم عن لحظات حاسمة في المعركة، تلك اللحظات التي ورد فيها نداء أذيع عبر الجهاز اللاسلكي. وهو عبارة عن بيان من الأمين العام، يعرض على المجاهدين إن كانوا متعبين أن يتم تبديلهم بشباب آخرين، فما كان من الإخوان في قرى التماس، إلا أن حضروا بياناً وأذاعه أحد الإخوة عبر الجهاز أيضاً، وأعلنوا فيه أنهم ثابتون في مواقعهم حتى النصر أو الشهادة، وهناك عبارة في البيان لا زالت تهز كياني وهي: "لن نقول لك كما قال اليهود لموسى إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، بل نقول لك يا سماحة الأمين العام إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون". هذا البيان كان بياناً استشهادياً ألهب حماسة الشباب وقذف في قلوب اليهود الرعب. يشير أبو علي لأمر غاية في الأهمية، وهو "أن المجاهدين في حركتهم، توسلوا الحذر واتباع الأوامر، والخطط الموضوعة من القيادة بحذافيرها، فكانوا يتحركون إذا طُلب منهم ذلك ويلزمون أماكنهم لساعات إذا كانت الأوامر أيضاً تقتضي ذلك".

ويروي أبو علي أنه اضطر مع أحد الإخوة إلى "الاختباء تحت شجرة صغيرة جداً، أكثر من ساعة، حيث أبلغنا بأن التحرك ممنوع مهما كانت الأسباب، لماذا؟ فالقيادة استطاعت أن تلتقط إشارات تقول بأن العدو كشف عنصرين يتحركان، وسلاح الجو يعمل على تحديد موقعهما بدقة، هذان العنصران كانا أنا والأخ وليس غيرنا، وبعد أن هدأ الوضع انسحبنا بسلام بعد أن نجونا من موت محقق، فصحيح أننا خضنا الحرب بروح استشهادية، هذا صحيح ولكننا في المقابل كنا حريصين على ألا نعطي للعدو فرصة لينال منا هكذا بالمجان". وعن أجواء الليلة الأخيرة من الحرب يقول أبو مهدي: "بقي لدينا في تلك الليلة 3 صواريخ (في مجموعتنا) قمنا بتجهيزها في أحد الحقول. وانتظرنا ساعة الإطلاق، لكي يكون لنا شرف المشاركة في إطلاق آخر صلية على المستوطنات، وجاء الأمر بالرمي، إلا أننا فوجئنا بأن الصواريخ لم تنطلق، وظلت هذه الحادثة حسرة في نفوسنا. حيث تمكن رفاق لنا في منطقة أخرى من إطلاق آخر صلية صواريخ عند ال3,56 فجراً أي قبل 4 دقائق فقط من موعد وقف إطلاق النار فالمقاومة الإسلامية كانت مصرة على مواصلة القتال حتى آخر رمق".

* عناية اللَّه ولطفه:
من القصص التي لا تُنسى كما يقول الحاج حيدر (40 عاماً) "أن الطائرات الحربية أغارت على منزل من أربع طبقات فدمَّرته تدميراً كاملاً، كان في المبنى امرأة عاجزة. وكان من الطبيعي أن تستشهد، ولكن عناية اللَّه تدخلت لتبقى غرفتها سليمة، محاصرة بين الركام، ذهبت مع بعض الأخوة إلى المكان أثناء هدنة مؤقتة فوجدنا تلك السيدة في حالة يُرثى لها وعملنا على إجلائها بسرعة، قبل أن يتجدد القصف". ويروي إبراهيم (30 عاماً) حادثة أخرى: "البلدة التي كنا نتواجد فيها نجت من مجزرة رهيبة فقد أغارت الطائرات على منزل يحتمي في ملجأه أكثر من 50 مدنياً، ونتيجة للغارة دُمِّر المنزل كلياً... هرعنا بسرعة إلى المكان ونحن نتوقع أن نجد مجزرة على غرار مجازر قانا والنبطية وغيرها، إلا أننا فوجئنا أن الملجأ (أو ما بقي منه بالأحرى) خالٍ من أي أثر، وتبين لنا فيما بعد أن هؤلاء المدنيين عندما وقعت الغارة الأولى. هاموا على وجوههم من الخوف والرعب وأخرجوا من الملجأ وصاروا يركضون في الشارع صعوداً إلى ملجأ في حي بعيد نسبياً. وقد شاهدنا الأحذية والثياب على الطريق المذكور. فقد فرُّوا حفاة من هول الصدمة، فيما استمّرت الطائرات بالإغارة على المنزل حتى دمرَّته كلياً. ولكن اللَّه تعالى لطف بأن هيأ لهم الخروج قبل أن ينهار الملجأ على رؤوسهم".

* ذكريات مؤلمة:
يقول أبو هادي (35 عاماً): "ذكريات الحرب مؤلمة جداً، فقد فقدنا إخوة لنا كنا نفترش معهم نفس الفراش، ونأكل نفس الطعام، ونخرج في مهمات مع بعضنا، ففي إحدى هذه المرات خرج أخ عزيز علينا ولم يعد، بعد أيام تبلغنا أنه استشهد في غارة للطائرات المروحية. ومن الأحداث المؤلمة أيضاً أن أبا زهراء كان على السمع مع شقيقه، يتحدثان عبر "جهاز اللاسلكي"، فجأة حدث ما لم يكن بالحسبان كما يروي أبو زهراء: "رأيت طائرة مروحية تغير على هدف متحرك، أيضاً انقطع الاتصال بأخي الذي كنت أتحدث معه للتوِّ. أيقنت في تلك اللحظة أن المستهدف هي سيارة أخي وأنه ربما استشهد وهذا ما حدث بالفعل".

* وأخرى طريفة:
من الطرائف التي حصلت ما حدثنا به الأخ صافي حيث قال: "في أحد الأيام، وبعد أن مللنا من أكل المعلبات، هيأ اللَّه تعالى لنا سمكاً وقررنا أن نشوي السمك ونأكله، جلست تحت الشجرة أنظف السمك، وبينما أنا كذلك وإذ بالقطط تقترب مني حيث إن رائحة السمك شدتها من بعد، وهي جائعة منذ أيام لا تجد ما تأكله، وقد ازداد عدد تلك القطط ووصل إلى حوالي ال10. فجأة ظهرت في الجو طائرات الاستطلاع، وصارت القطط تهجم على السمك فلم أجرؤ على منعها، حتى لا تصور الطائرة ذلك، فتكشف أن هناك أحداً تحت الشجرة. وهكذا أكلت القطط كل السمك وأنا أنظر إليها ولا أجرؤ على فعل أي شي‏ء".

كذلك روى لنا حسان أنهم كانوا يختبئون في أحد المنازل، حينما قامت الطائرات بالإغارة على منزل مجاور، ومن شدة الانفجار بدأت الحجارة تتساقط على رؤوسنا وسحب الدخان تدخل من النوافذ، وانتشرت في المكان رائحة البارود، بحيث أننا لم نعد نرى بعضنا البعض، فجأة انتابت الشباب موجة من الضحك الهستيري بشكل غريب جداً، في هذا الوقت نفذت الطائرات غارة ثانية ثم أتبعتها بثالثة على المنزل المستهدف فدُمر كلياً. أحد الإخوان الذي كان يراقب المشهد عن بُعد بعد أن غادرت الطائرات تقدم نحونا وهو على يقين بأننا قتلنا جميعاً. ولكنه فوجئ حين وجدنا على هذه الحال من الضحك المتواصل وكأن شيئاً لم يكن، هذه من الأمور الغريبة التي حلت بنا ولم نجد لها تفسيراً، إلا أن اللَّه سبحانه وتعالى كان يبعث في نفوسنا الاطمئنان في أحلك الظروف.

هكذا مرت هذه الحرب الضروس التي زجَّ فيها العدو كل آلته العسكرية، واستخدم كل التقنيات المتاحة بين يديه، للقتل والخراب والتدمير. مرت على ثلَّة من المؤمنين، عتادهم بسيط وسلاحهم بدائي. واجهوا الجيش الأسطورة بصمود أسطوري مرَّغ أنف الجيش الذي لا يقهر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع