إعداد: محمود دبوق
الكاتب: آية اللَّه جوادي الآملي.
الناشر: مؤسسة العروة الوثقى.
كم يعاني المراجعون من المواطنين وفي العديد من الدول من سوء معاملة الموظفين لهم وفي الإدارات العامّة بالأخص؟ وكم يسمعون من الألفاظ والعبارات التي تشعرهم بالمهانة وذل الطلب وكأنَّ الدخول إلى تلك الإدارة هي ملك خاص لهذا الموظف أو ذاك، وكأنَّ المواطن معتدٍ على ملك هذا المسؤول أو ذاك المدير؟! بأسلوبه الإسلامي الراقي ومن موقع هذا الدين الشامل يعالج آية اللَّه جوادي الآملي هذا الموضوع في كتابه "أخلاق العاملين في الحكومة الإسلامية" بما يحمله من تفاصيل عديدة يزخر بها بحيث لا يمكن لنا أن نُشبعَ المطالب التي حملها الكتاب بين طياته على أننا نلتزم القول "ما لا يُدرك كلّه لا يُتركُ جلّهُ".
* الرابطة بين العامل والمُراجع
يفسّر الكاتب العلاقة بين العامل أو الموظف والمُراجع (المواطن صاحب الحاجة) على أنها رابطة لا تدور حول الاعتبار والوضع فقط، إنما هي حفظ رابطة العبودية للَّه سبحانه، وإن المسائل الأخرى كاستخدام الرئاسة وغيرها إنما هي لأجل إيجاد النظام الصوري في المجتمع، فيقول: "وحيث أن العلاقات الإدارية والروابط الاجتماعية تعتبر من الأمور الوضعية، لا من سائر الأمور التكوينية، فإنها على أثر اختلاف الملل وتفاوت الأعراق وتغيّر البلاد والعصور وغيرها تتبدّل، لكن الروابط الاجتماعية في النظام الإلهي تستند إلى رابطة تكوينية، ولهذا كان تشريع الروابط وتنظيم القوانين في الحكومة الإسلامية لا يستندُ إلا على الوحي السماوي". ثمَّ نلاحظ كيف يركّز الكاتب على ضرورة الشفافية والأخلاق ورعاية العواطف والحقوق والأحكام واحترام مشاعر الآخرين عندما يتعاطى العاملون في ظل النظام الإلهي مع الناس، ويلفت في البداية إلى أمورٍ عديدة مُؤيَّدة بآيات قرآنية ومنها: رعاية الالتزام والميثاق، وأداء الأمانة وحرمة الخيانة، واجتناب الحرام من المال والرشوة، والمدح والثناء المضرُّ، وضرورة الالتزام بالقسط والعدل، إضافة لخطر حبِّ المال والجاه.
-المراقبة والمحاسبة طريق الوصول:
ضمن الفلسفة الأخلاقية الإسلامية التي يأخذ منحاها هذا الكتاب يتابع آية اللَّه جوادي الآملي ما نستطيع أن نعبّر عنه بالإرشادات اللازمة لتحقيق تلك الحالة الأخلاقية بين القيّمين على مواقع المسؤولية الخدماتية والناس وبأسلوبٍ عرفاني يحمل المعرفة على حقيقتها بعيداً عن أي ميلٍ سلبي، وهنا يعتبر أن المراقبة والمحاسبة هي طريق الوصول إلى مقام "عند اللَّه" وذلك بأن "يرى" الإنسان نفسه دائماً في "محضر اللَّه" لا أن "يعلم" أن اللَّه مُطَّلِعٌ على أعماله ويحاسبه عليها فحسب، وإنما أن "يشاهد نفسه" دائماً في "مشهد اللَّه" العظيم الكريم وفي ساحة حساب يوم القيامة، وبهذا السلوك يلمس المرء أنه لا طريق للخوف في ساحة ولي اللَّه، وهو عندما يعمل وفق إرادة المولى عزَّ وجلَّ وعندما يكون حاضراً هذا المولى لديه دائماً فسيحصل على "مقعدٍ عند اللَّه" وعلى ذلك يستشهد الكاتب بآيات عديدة، ليصل إلى العنوان الثالث من سلسلة العناوين الخمسة عشر عدا عنواني المقدّمة والتي تشكّل منها الكتاب فيتحدّث عن أن أهم مانع من ارتكاب المعاصي هو نفس المطلب الأول أي أن تحصيل مقام الإنسان الكامل هو عند تسليم الإنسان بثبوت الإحاطة الربانية الفعليّة له وأنه تعالى عارفٌ فعليَّاً بعمله؛ ممّا يؤمّنُ له المانعَ من ارتكاب المعاصي.
* عدم الانخداع بزينة الدنيا
يتابع الكاتب وبأسلوبه الأخلاقي العملي، ما يمكن أن نرى خلاله تدرّجاً في مطالبه وارتباطاً وثيقاً فيما بينها يُساعد بلا إشكال المتأمّل فيها على كيفية الجمع العملي من خلال إعمال العقل وتسليم القلب بين هذه المسلّمات العقائدية والأفعال والتصرفات الاجتماعية على مستوى تأدية الخدمات والطاعات؛ ليظهر للملتزم بها مدى عجزه وضعفه مقابل ما هو المطلوب حقيقة أمام اللَّه تعالى؛ فلا يبتعد حينها عن عبوديته للَّه تبارك وتعالى. ثمَّ يتحدث بطريقة هي غاية في اللطافة والجمال، فيبيّن أن ما على الأرض من بيوتٍ وأثاثٍ وغيرها هي زينة للأرض ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَ﴾ وأما الكواكب والنجوم فهي زينة السماء ﴿اِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب﴾ فزينة الأرض أو السماء على حد سواء ليستا للإنسان، وأما زينتهُ هو فكما قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فزينة الإنسان هي الاعتقاد بالمبدأ والمعاد والوحي والنبوة، وعلى هذا عندما يعلم الإنسان حقيقة الدنيا فمن الطبيعي أن يلتذَّ بالإيثار والإحسان إلى الناس وخدمتهم وحفظ الأمانة. وبالانتقال من العنوان الرابع إلى الخامس يصل الكاتب بالتدرج الذي المحنا إليه إلى دعوة السالكين في هذا الطريق إلى تحصيل مقام المتقين فليس لروح السالك إلا غذاء عالم القدس وقرب اللَّه، وليكون قدوة للآخرين بعد طي المراحل السابقة المذكورة... وهكذا في العنوان السادس يصل المطاف للحديث عن تعداد مراحل الدنيا ليستفاد منها قبل فوات الأوان والتحذير من الانخداع بهذه الدنيا الغرور، وهذه المراحل الخمس هي: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر ولا شيء آخر، وأما مراحل الآخرة وتبعاً للأعمال فهي ثلاث بحسب قوله تعالى: ﴿وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾.
* أثر الإنحراف الخُلقي
من منهج الربط بين العناوين والمطالب كما ذكرنا، يتجه الكاتب في العنوان السابع للتأكيد أنَّ عوامل الانحراف الخلقي لها التأثير الفعلي في عدم وصول الإنسان لمقام آخر هو ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ وهو غير ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى...﴾، ويقول أن المانع من الوصول إلى مثل هذه المقامات هما الجهل في العقيدة واتباع الشهوات، وإذا ما أراد صاحب الإرادة أن يتخلص من هذه المصاعب فما عليه سوى اتباع الحكمة اللُّقمانية المتمثلة في شكر اللَّه تعالى.
* شرطان لصلاح العاملين
في العنوان الثامن يركز آية اللَّه جوادي الآملي على أهمية التخصّص والأمانة كشرطين لصلاح العاملين، وليس للعامل المخلص عندما يقدّم خدمة للمجتمع أن ينتظر الشكر لما قدّمه، بل عليه أن يقول "هذا من فضل ربي" أو "هذا رحمة من ربي" تمثّلاً بالأنبياء والأولياء، وقد قدّم الكاتب أمثلة في ذلك، كما أكدّ أن القرآن يدعو إلى إعطاء الأعمال لمن يستطيع أن يؤدّيها من ناحية المعايير العلمية، ويكون قادراً على حفظ الأمانة وحراسة حقوق الناس، وتؤكّد هذه القضية نماذج من قصص القرآن في إحضار عرش بلقيس وقصة الجدار المعدني لذي القرنين وغيرها.
* أثر شهود قدرة اللَّه "عزَّ وجلَّ" في نفس الإنسان
يؤكد صاحب الكتاب في العنوان التاسع على مدى تأثير شهود قدرة اللَّه عزَّ وجلَّ في نفس الإنسان، ذلك أن الإنسان في هذه المرتبة من الكمال يعتمد على قدرة تخوّله الانتصار والنجاح في مختلف المجالات. وسبيل شهود تلك القدرة الإلهية هو اكتساب الفضائل والابتعاد عن الرذائل، وإذا ما عرضت المعاصي والذنوب على نفس الإنسان فسوف لن ينفعه "الاعتماد على قدرته" أو "الاعتماد على قدرة الآخرين"؛ لأن هاتين القدرتين هما المحرِّكان لفعل تلك المعاصي والذنوب. ويخلص الكاتب إلى أن الذي اكتسب الفضائل وابتعد عن الرذائل وشهد قدرة اللَّه عزَّ وجلَّ في نفسه، لن يشعر بالضعف ولن يخاف أو يخشى ثقل العمل أو صعوبته.
* دور الصلاة
يُبرز الكاتب في العنوانين العاشر والحادي عشر دور الصلاة في كونها أهم مانع من الرذائل الفردية والمفاسد الاجتماعية ويقول: "فالصلاة هي الأمر الذي جاء في القرآن تحت عنوان المانع والناهي عن الرذائل الفردية والمفاسد الاجتماعية، والخيانة الوظيفية والاستخفاف بأداء المواثيق الإدارية، والمصلي الواقعي هو الذي لا يتلوّث بمثل هذه الأمور أبداً، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "عبد الشهوة أذلُّ من عبد الرق". ثم يشدّد على أهمية حفظ الأمانة كون حقوق الناس هي أمانة لدى هذا الموظف أو ذاك العامل وعليه حفظها وقد أيدَّ الكاتب هذا المطلب بالعديد من الآيات والروايات ولا يسع المقام لشرحها أكثر.
* إجراء العدالة أهمّ عاملٍ لبقاء النظام
يقول الكاتب عن الناس الذين يهتمون عامّة بالعدالة ويستوحشون من الجور: "فالقلوب المستوحشة من الجور لا يمكن أن تطمئن إلى النظام الذي لا يراعي هذا الشرط، لأن اللَّه لا يوجّه قلوبهم إلاّ إلى الذين يتمتعون بقداسة الإيمان والاعتقاد السالم ويعملون بموازة ذلك العمل الصالح". ويشدّد الكاتب هنا في العنوان الثاني عشر على طهارة ضمائر المسؤولين وصلاحهم ومبدأ العدالة فلا يمكن للقلوب أن تنجذب إليهم من دون ذلك. وإلى العنوان الثالث عشر يأخذنا في الحديث عن دور العقل في استمرار النظام، فإذا ما نظمّت المناصب على أساس دائرة المسؤوليات والبرامج والقوانين، ولم يحدث تقصير في اختيار العاملين والمسؤولين وإذا ما كان التخطيط عاقلاً وتنفيذه بيد العقلاء فإن النظام سيكتب له الاستمرارية والدوام. وكذلك في العنوان الرابع عشر يتحدث عن ضرورة مراعاة النظام ويحثُّ المسؤولين عن أي دائرة معيّنة أن يكونوا على مستوى من التدبير والإدارة ولا يقعوا تحت تأثير ترغيب أو ترهيب الآخرين، وهم في سبيل الوصول إلى الأهداف الإدارية الصحيحة عليهم أن لا ينحرفوا نتيجة أي تطميع أو تهديد.
* رعاية أحوال المحرومين الضعفاء:
يقول آية اللَّه جوادي الآملي: "وما نريد أن نتحدث عنه اليوم هو أن الوظيفة الأساسية للعاملين في النظام الإسلامي هي رعاية أحوال المحرومين والمستضعفين ففي الوقت الذي يجب على كل مسؤول أن يرى أن مقامه ومنصبه أمانة إلهية، وأن التساهل فيها والتهاون في الامتثال لمطالبها خيانة ورذيلة، وأن الجميع لهم الحق بعدله وإحسانه فإن عليه أن يعتني بشكل أكبر بالطبقة المحرومة ويقدّمهم على غيرهم من المرفهين والمتنعمّين بعدل الإسلام وقسطه". الكتاب يقع في مئة وثلاث وثلاثين صفحة من القطع الوسط يفيد كل من يهتم بمثل هذه المواضيع من وجهة نظر الإسلام الشاملة.