الشيخ نعيم قاسم
أرسل اللَّه جلَّ وعلا الأنبياء والرسل بالأدلة والبراهين والبينات مخاطباً عقول العباد، ليكون اختيارهم لدين اللَّه عن قناعة وإيمان، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 44 - 43)، ولو شاء أن يلزمهم بالإيمان لفرضه عليهم وهو العلي القدير: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99)، ولكنَّه ترك لهم الخيار وحمَّلهم مسؤوليته ليُحاسبوا على ما اجترحت أيديهم في يوم القيامة، ثواباً على الإيمان، وعذاباً على الكفر. وهي مسؤولية المؤمنين بأن يدعوا الناس إلى اللَّه تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: 125).
لكنَّ الكفار يواجهون حركة الإيمان بالظلم والطغيان والقتل والأذية، ويستخدمون أبشع الوسائل لمنع الحق من أن يسود. فإذا استكان المؤمنون لهم، ساد الكفر وانمحى الإيمان، أمَّا إذا دافع المؤمنون عن حقهم وإيمانهم ومنعوا ظلم الكافرين، فسيكون لهم جولات من النصر في مقابل جولات الكفر والباطل. ومع ذلك يتحمل المؤمنون المعاناة ويصبرون قبل المبادرة إلى المواجهة لردع الكافرين عن غيِّهم، وهذا ما يفسِّر الإذن الإلهي للمؤمنين بالقتال بعد صبرهم ومعاناتهم، قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39). فإذا نظرنا إلى العالم اليوم وإلى مسار الانحراف والفساد فيه، فإننا نجده يزداد غيَّاً وظلماً، ولا حلَّ لمنع الفساد والإفساد إلاَّ بالقتال والسيف، للدفاع عن الحق ونصرته، ولمنع الباطل من تحقيق أهدافه، ولحماية خط الاستقامة في مواجهة طواغيت الأرض واتباعهم وطغيانهم.
من هذا المسار نفهم دلالة الروايات التي حدثتنا عن ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه بالسيف: "وسيظهر اللَّه مهدينا على الخلق والسيف المسلول لإظهار الحق"(1)، وكذلك نفهم جواب الإمام الصادق عليه السلام لمن سأله عن القائم عجل الله فرجه بقوله: "كلنا قائم بأمر اللَّه، واحد بعد واحد، حتى يجيء صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف، جاء بأمر غير الذي كان"(2). فالسيف تعبير عن القوة التي سيستخدمها صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه، حيث لا يمكن لدعوته أن تنتشر بالكلمة والموعظة فقط، ولا يمكن للفساد أن يتوقف ويتراجع إلاَّ بوضع حدِّ له بقوة السيف، ولا يمكن للعدل أن يسود على ظهر الكرة الأرضية مع وجود الاستكبار وطواغيت هذا العصر إلاَّ بالقتل والقتال لإسقاط جبروتهم وقوتهم وعنفوانهم، وإعطاء الفرصة لأهل الإيمان ليحكموا بما أنزل اللَّه تعالى.
لقد أمرنا اللَّه بالجهاد على امتداد الأزمنة لحماية خط الرسالة الإسلامية ومواجهة الباطل والمنكر، ومهما كانت تكلفة الجهاد كبيرة فإن تكلفة الصمت والاستسلام أكبر، وحيث نرى ازدياد الكفر في العالم واستخدامه للقوة المفرطة بطريقة لا إنسانية ولا أخلاقية لفرض أطروحته في مقابل الأطروحة الإلهية، وفي مقابل العدل والحق، فلا بدَّ من قوة أكبر في عملية المواجهة، وهو ما سيكون متوفراً للإمام المهدي عجل الله فرجه. عن الإمام الجواد عليه السلام: "ما منَّا إلا وهو قائم بأمر اللَّه عزَّ وجلَّ، وهادٍ إلى دين اللَّه، لكنَّ القائم الذي يُطهر اللَّه عزَّ وجلَّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكنيه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذل كل صعب، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول اللَّه عزَّ وجلَّ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص، أظهر اللَّه أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللَّه عزَّ وجلَّ، فلا يزال يقتل أعداء اللَّه حتى يرضى اللَّه عزَّ وجلَّ"(3).
وعن الإمام الكاظم عليه السلام في حديثه لأبي الجارود عن الإمام المهدي عجل الله فرجه: "يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح اللَّه عليه شرق الأرض ومغربها، يقتل الناس حتى لا يُرى إلاَّ دين محمد صلى الله عليه وآله"(4). فهنيئاً لمن تحمَّل وصبر في زمن انتشار قوة الكفر وظلمه، ليكون مع الإمام المهدي عجل الله فرجه بقيادته ورعايته، مع الإمام الذي يستخدم القوة التي لا تُهزم، ويُعمِل السيف في رقاب الظالمين مهما عظُمت قوتهم وعلا جبروتهم، وليمتِّع المؤمنين ببركة وجوده وانتصار الحق على الباطل، إن الباطل كان زهوقاً.
(1) الكوراني، الشيخ علي، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج4، ص269.
(2) الحر العاملي، الفصول المهمة، ج1، ص411.
(3) الكوراني، الشيخ علي، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج5، ص39.
(4) الطبري، دلائل الإمامة، ص456.