مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع القائد: لماذا اختيار علي عليه السلام في يوم الغدير؟

إنّ ما يمكن أن يفهمه من يُطالع التاريخ من أمثالنا من حادثة الغدير هو ما يتضمّنه ذلك التنصيب الإلهي من مفهوم في مسألة كيفية إدارة شؤون البلاد وانتخاب الناس الصالحين لتولّي المسؤوليات الكبيرة. طبعاً إنّ أصحاب النظرة العرفانيّة العالية ومن ارتبطت قلوبهم بمنابع النور والمعرفة قد يدركون أموراً أخرى من تلك الواقعة لا يستطيع غيرهم من الناس إدراكها.

أمّا الذي نفهمه نحن من هذه الحادثة فهو أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله بتعيينه أمير المؤمنين عليه السلام بأمر من اللَّه لمنصب الولاية قد أظهر هذه الحقيقة الإسلامية الناصعة وهي: إنّ المسؤولية الجسيمة لإدارة المجتمع الإسلامي هي قضية لا يمكن معها غضّ النظر عن شي‏ء من المعايير والقيم الإسلامية بشكل كامل ودقيق. فهل كان يوجد إنسان أعظم من أمير المؤمنين عليه السلام الذي جُمعت فيه كلّ القيم الإسلامية السامية؟ فالإيمان، والإخلاص، والتضحية، والإيثار، والتقوى، والجهاد، والسبق للإسلام، والانصراف عن كلّ ما هو لغير اللَّه، والعزوف عن الزخارف المادية، وتحقير الدنيا، والعلم، والمعرفة، والقمَّة في الإنسانية بجميع أبعادها، كانت جميعها من القيم الكريمة التي كان يتحلّى بها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. وهذا الأمر لا تقول به الشيعة فقط، بل لقد أجمع المسلمون والمؤرّخون والمحدِّثون الذين كتبوا عن حياته بصدق وإنصاف، أنّه عليه السلام يتحلّى بجميع تلك الخصال، بل أكثر من ذلك. ولهذا قام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في يوم الغدير وأمام أنظار الذين كانوا يعرفون تلك الخصال في أمير المؤمنين بتعيينه لمنصب الولاية.

وهذا يعني إعطاء الأهمّية القصوى للقيم والمعايير الإسلامية، وهو أمر يجب أن يبقى موضع اهتمام المجتمع الإسلامي والنظام الإسلامي حتى ظهور الإمام الحجّة عجل الله فرجه. ولكن للأسف إنّ الأمة الإسلامية لم تتمكَّن من الاستفادة الكاملة من المواهب الإسلامية العظيمة؛ لامتلاكها تلك النقيصة الكبيرة، وهي: عدم رعاية القيم والمعايير الإسلامية في إعطاء المسؤوليات في المجتمع الإسلامي. وإنّ ما يعنيه تنصيب شخص كأمير المؤمنين على رأس النظام النبوي الذي صنعته أيدي النبيّ صلى الله عليه وآله المقدَّسة في صدر الإسلام الأوّل هو وجوب رعاية تلك القيم والمعايير في كلّ زمان عند إعطاء المسؤوليات الأساسية في النظام الإسلامي. وهذه القضية في غاية الأهمّية بالنسبة لنا نحن المسؤولين والعاملين في النظام الإسلامي في إيران. ومما لا شكّ فيه أنّه لا تجب رعاية تلك القيم والمعايير في انتخاب قيادة المجتمع الإسلامي فقط، بل هو أمر لا بدّ من رعايته في مواقع المسؤولية كافة في النظام الإسلامي. وإنّ الالتزام بالقيم والمعايير الإسلامية من شأنه أن يجعل الأمّة الإسلامية ترفل بالخير والبركة. وهذا نقيض ما يبغيه أعداء الإسلام دوماً. لقد حاولوا تلقين المسلمين أن يشعروا بالخجل من انتمائهم للإسلام، وأن يبعدوا المظاهر الإسلامية من حياتهم ومن حركاتهم وسكناتهم، والتظاهر بالمظاهر المخالفة للشرع، والسير خلافاً للمفاهيم الإسلامية، والانجذاب نحو جبهة أعداء الإسلام، وقد أرادوا جعل المسلمين من أيّة شريحة وفي أي منصب كانوا يتقرَّبون أكثر من القيم غير الإسلامية؛ التي كان الاستعمار يحاول ترويجها في أوساط المجتمعات الإسلامية. فقد حاولوا جعل مظاهر حياة المسلمين شبيهة بمظاهر الحياة الرائجة في المجتمعات الغربية، والتعامل فيما بينهم كتعامل الغربيين مع بعضهم، ونظرتهم للحياة كنظرة الإنسان الغربي للحياة، وممارسات المسلمين كممارساتهم، والاعتراف بالقيم الغربية على أنّها قيم كريمة، وأن يتناسوا الإسلام بشكل كامل، وقد نجحوا وللأسف في أكثر البلدان الإسلامية التي استعمروها وأدخلوا (ثقافتهم) إليها. لقد غيّروا شكل اللباس عند أبناء تلك الشعوب، وبدّلوا طريقة تعامل الناس مع بعضهم، وغيّروا آداب الحياة عند المسلمين، وأبدلوا النظرة الإسلامية لدى أبناء الأمّة، وأبعدوا الناس عن الإسلام، وقرَّبوهم إلى كلّ ما هو مخالف للإسلام.

واليوم فإنّهم يشنّون أكبر هجماتهم ضدّ الشعب الإيراني المسلم؛ لإصراره على التمسّك بمواقعه وقيمه وثقافته الإسلامية، في سلوكه، وفي تحرّكاته وسكناته، وفي تعامله على الساحة الدولية، وفي انتخابه لأصدقائه وأعدائه. وفي مثل هذا الجو الفاسد الذي خلقته القوى الكبرى في العالم، استطاع الشعب الإيراني الرجوع إلى واقعه واعتزازه بشخصيته وهويّته الإسلامية. واقع الأمر لا يكون إلاّ كذلك، لأنّ العزّة لا تكون إلاّ للمؤمنين (إنّ العزَّة للَّه ولرسوله وللمؤمنين) فالأعزّاء حقاً هم الذين تغلغل الإيمان في قلوبهم وانعكست مبادئه على جوارحهم. ولهذا فإنّ شعبنا يشعر بحمد اللَّه اليوم بالعزّة والكرامة. وهذا كلّه من بركة الالتزام بالمعايير التي ثُبِّتَتْ في الغدير. فيجب علينا استثمار قضية الغدير إلى أقصى حدٍّ ممكن من أجل تثبيت تلك المبادئ السامية في حياتنا؛ لأنّ الغدير هو الأساس لاعتقاداتنا ومبادئنا الشيعية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع