إعداد: محمود دبوق
الكاتب: محمد مكرّم العُمري
في بداية قراءتنا لهذا الكتاب، نرى أنّه يعالج مجموعة من القضايا التي تهمُّ الكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي، كما أنّها تستفزُّ مشاعر آخرين، ممن يؤلمهم صمتُ العديد من المتصدّين لأمور أمتنا ومجتمعنا وهنا يهم المجلة أن تلفت نظر القارئ إلى أن توجيهه نحو هذا الكتاب هو للتركيز فقط على محور بحثه بما يتضمنه من دراسة حول المنظمات السرية والجمعيات الصهيونية المنحرفة التي تتحكم بمقاليد الحكم والسلطة في العالم مع تحفُّظ المجلة على بعض المعلومات والمصطلحات المستخدمة وبعض المسائل التي هي محل شك وتأمل، ويطرح صاحب الكتاب محمد مكرّم العُمري في مقدّمة كتابه سلسلة من الأسئلة حول الإعلام الأمريكي، ليست هي الهدف الذي يبتغيه، إنما هي أمورٌ أخرى تتعلّق بالمجموعات السرّية المتخفيّة والتي تعيثُ فساداً في الأرض، وهي أكبر من الصهيونية أو الماسونية التي أصبحت مكشوفة عموماً عند المواطن العربي. ولعلَّ إظهار بعض المسائل التي هي خلف الكواليس، تساعدنا في استيعاب ماذا يحدث في عالمنا اليوم، وهنا يسأل الكاتب: "لماذا ينتج الإعلام الأميركي برامج تلفزيونية وأفلاماً سينمائية تستهزئ بالأديان السماوية وبالأخلاق وبالقيم العائلية؟ لماذا ينتج الإعلام الأمريكي برامج تلفزيونية وأفلاماً سينمائية تناصر أفكار الإلحاد وتشجّع الفساد وتنشر الخلاعة والدعارة؟ ولماذا تنتج استوديوهات هوليوود أفلاماً شيطانية أو مشعوذة؟ ولماذا تبقى الأديان السماوية دائماً هي المستهدفة؟ لماذا ينحاز الإعلام الأميركي إلى إسرائيل ويعادي العرب والإسلام والمسلمين، وينتج برامج تلفزيونية وأفلاماً سينمائية تستهزئ بالعرب والإسلام والمسلمين؟". ونحن ضمن جولتنا في هذا الكتاب يمكن لنا أن نطبع صورة معيّنة في الذهن عن خلفية هذه الأمور من خلال ما يقدمه الكاتب من شروحات لعقيدة وفلسفة هذه الجماعات السرية ودراسة حول تنظيماتها العديدة وخططها وآثارها على عالمنا.
* عبادة إبليس:
في الفصل الأول من كتابه يعرض الكاتب لعقيدة تلك الجماعات التي تنادي بعبادة إبليس فيقول "... يعبدون الشيطان ويعتقدون أنه إله شبيه بملك ويستحقُّ العبادة. ولهذا السبب أطلقوا عليه اسم النوّار أو حامل النور "لوسِفر" (Lucifer) باللغة الانكليزية. ويرفض هؤلاء تسميته بالشيطان لأن كلمة الشيطان تعني العاصي أو المتمرّد، أي عصى ربه وتمرّد عليه، ويرفضون أيضاً تسميته بالرجيم أو الشرير لأنهم يعتقدون أنه هو الخير. ويعتقدون أنه ربّهم وأنه مظلوم ويطلقون على أنفسهم اسم النوّارين" وينتقل الكاتب في نفس الفصل ليتحدّث عن أصول هذه الجماعات السرّية. وبالعودة إلى بضعة آلاف من السنين نجد أن هناك جماعة واحدة رئيسة، وهي جماعة الكهنة العبرانيين من بني إسرائيل الّذين ومع مرور الزمن طوّروا فلسفةً ومذهباً للعبادة الشيطانية، وراحوا يقتبسون من الحضارات الوثنية التي كانت محيطةً بهم في ذلك الوقت مثل ديانة الفراعنة المصريين القدماء والديانات البابلية القديمة وأضافوها إلى ديانتهم الشيطانية. ويتحدّث عنه كتابهم المقدّس واسمه "القبّالى" أو "القبّالة" واسم القبّالى مأخوذ من الكلمة العبرية "قبل" ولها نفس المعنى في اللغة العربية أي "قبلَ" أو "استلم" أو "قبض" أو "وافق على" والمقصود هنا أن هؤلاء الكهنة قد قبلوا هذه العقيدة أي عقيدة عبادة الشيطان. وبعد الحديث عن ديانة القباليين، يعرض الكاتب في كتابه هذا الذي استغرق في بحوثه ما يقرب العشرين عاماً، بعض الرموز التي يعتمدها اتباع هذه الديانة مما ينكره العقل والمنطق الإنساني. وفي الفصل الثاني يأخذنا الكاتب إلى الكلام عن الحركات القبالية القديمة ومنها "الزرادشتية" و"القوّة الخفيّة". وفي الفصل الثالث يتحدث عن الحركات القبالية في العصور الوسطى ومنها "فرسان المعبد"، وتنظيم "الصليب الوردي". ثم ينتقل في الفصل الرابع للحديث عن الحركات القبالية المعاصرة وهي "الماسونية" ويأخذنا هذا الفصل ليشرح عن "الماسونية" منذ نشأتها كمنظمة سرّية في انكلترا، إلى الحديث عن أساطيرها المشينة التي تتعرّض بالسوء للنبيين آدم وسليمان عليهما السلام، إلى تاريخ هذه المنظّمة التي أُسس أول محفل أو مقر لاجتماعاتها في مدينة "يورك" الانكليزية سنة 926 بعد الميلاد، ولا يغيب عن ادعاءات الماسونيين أنه عند قتل قابيل هابيل فقد كان ذلك وبحسب اعتقادهم انتصاراً لابن الشيطان على ابن آدم.
* آل روتشايلد
للحديث عن المؤسسات المالية القبالية يخصُّ الكاتب هذه العائلة وفي الفصل الخامس ببعض الشرح نظراً لدورها الهام في دعم هذه المنظمات السرّية وعقائدها لبلوغ الأهداف الإبليسية القبالية. وقد أسّس هذه العائلة صائغٌ يهودي قبالي من أوروبا الشرقية يدعى آمشيل موشي (موسى) باور، الذي هاجر إلى مدينة فرانكفورت الألمانية سنة 1750 حيث فتح محلاً لصياغة الذهب ووضع درعاً أحمر فوق باب المحل. وللدرع الأحمر معنى قبالي خفي يتعلّق بقرابين الدم، وسرعان ما أصبح محلّه يُعرف باسم "الدرع الأحمر" أو "روت شيلد" بالألمانية ثم عُرف باسم "روتشايلد". وهكذا تطوّر وضع هذه العائلة على يد ابن موسى باور ويدعى مائير الذي تمكّن من تحويل محل الصياغة إلى مصرفٍ متكامل وحذف اسم باور، ومنذ ذلك الحين تأسس مصرف روتشايلد. وجمع إليه اثني عشر رجلاً من أصحاب الثروات والنفوذ لتكوين حكومة عالمية موحّدة للقباليين هدفها السيطرة على العالم عن طريق تكوين هذه الحكومة. ويأتي تحقيق هذا الغرض كما يضيف الكاتب، عن طريق إضعاف ثمَّ إزالة السيادة لكل دولة ثم تدمير الحكومات ليتم بعدها تشكيل هيئة عالمية لتأخذ مكان الحكومات. هذا وقد حدّد مائير ورفاقه خطّة تتألف من خمس وعشرين نقطة أساسية لبلوغ السيطرة على العالم أو ما سمي بالبروتوكولات، وكانت السيطرة على الصحافة ووسائل الإعلام تمثل عاملاً خطيراً في خطّة روتشايلد لأجل نشر الأكاذيب والأضاليل من خلال الدعاية الإعلامية. وللقارئ أن يطلع على تفاصيل هذه الأمور من الكتاب.
* تنظيم النور:
في الفصل السادس يظهر الكاتب كيف جنَّد القباليون الأستاذ الألماني آدم وايسهاوبت لتنفيذ مخططاتهم في أوروبا وقد كُلف وايسهاوبت بجلب المثقفين في الجامعات وذوي المهن الخاصّة لدخولهم في الحركة القبالية إضافة لتحقيق بروتوكولات روتشايلد الخمسة والعشرين وقد اغروه بالمال الوفير والشهرة، وقد عمل فعلاً لأجل تحقيق هذه الأهداف باتباع وسائل عديدة منها تقديم المال والعروض الجنسية إضافة لنشر مفهوم نظام الحكومة العالمية الواحدة وأسلوب آخر لا يقل خطورة عن غيره وهو الاندساس في ميادين الصحافة للعمل على نشر الدعاية القبالية، وكان كل ذلك ضمن تنظيم أطلقوا عليه تنظيم النور. ثم ينتقل الكاتب في فصولٍ ثلاثة هي السابع والثامن والتاسع للحديث عن أول ثورة قبالية كانت في الثورة الفرنسية بعد أن تحرّك ملك فرنسا فيليب الرابع الملقب بالجميل ضد "فرسان المعبد" فاعتبر القباليون ملكية فرنسا عدوهم المجاهر بالعداوة، وكانت الإطاحة بملكية فرنسا أحد أهم أهداف القباليين في القرن الثامن عشر. وكذلك دورهم في التاريخ الأميركي عندما توسعوا مع المستعمرات البريطانية في أميركا الشمالية، وكان لأحد فروع حركة النوارين في أمريكا دور بارز في السيطرة على الشعب الأمريكي بسياسة "فرِّق تسد". وهكذا كان لمنظمات قبالية أخرى وجود ودور في أمريكا كمنظمة "بناي" و"نادي الروتاري" ونادي "الأسود" وغيرها. ثم يتطرق الحديث إلى دورهم في الثورة الروسية حيث حاولوا نشر العقيدة الشيوعية في البلدان الأوروبية الشرقية، وارتأى القباليون ضرورة قلب نظام الحكم في روسيا كما فعلوا في فرنسا قبل ذلك.
* جورج بوش الابن:
نستطيع القول أنَّ مراد كل عربي ومسلم معرفة خلفيات الحركات الصهيونية أو القبالية السرية الخفية التي تبدأ ملامحها والكثير من تفاصيلها بالانكشاف من الفصل العاشر للكتاب، حيث يكون القارئ قد فهم التاريخ الأكثر قدماً لهذه الحركات كما أسلف في ذكرها الكاتب في الفصول الماضية، ومن هنا يبدأ الحديث بالتآمر على فلسطين والمشروع الصهيوني، وادعاء اليهود نسبتهم للسامية، إلى سقوط الدولة العثمانية وإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين، إضافة للمشروع النازي في ألمانيا وبداية حركتها، إلى نفوذ القباليين في أميركا في أيامنا المعاصرة. وبعد الفصل الحادي عشر والذي يتعرض لما ذكرناه من عناوين، يأخذ الفصل الثاني عشر بعرض أسماء النافذين من القباليين، ويسمّي الكاتب جورج بوش الابن فيقول: "إن جورج بوش الابن ينتمي، كما ينتمي والده، إلى جمعية باطنية قبالية باسم "تنظيم الجمجمة والعظام". وقد تأسست هذه الجمعية في جامعة "ييل" (yale) في مدينة نيو هافين (New-Haven) في ولاية "كونيتيكت" في سنة 1832 من قبل مؤسسة أمانة "راسل" القبالية". هذا ويشرح الكاتب علاقة بوش الابن ووالده وجدّه بالقباليين و"تنظيم الجمجمة والعظام" ثم يذكر الكاتب أن هناك 34 مسؤولاً ومستشاراً يهودياً صهيونياً في إدارة بوش جاء تعيينهم بموجب صفقة سرية كانت ثمن مجيء بوش للحكم. وأما في الفصل الثالث عشر والأخير فيأخذنا الكلام إلى السياسة الخارجية الأمركية وأحداث أيلول (سبتمبر) وتداعياتها وويلاتها وصولاً للحديث عن الحرب على العراق واحتلاله وينتهي بالخاتمة المهمة التي تقدم خلاصة مفيدة وفكرة عما تقدّم ذكره وما قدمّه الكاتب من معلومات هامّة. كتاب يقع أكثر من ثلاثمائة صفحة وجدير جداً بالمطالعة "الدقيقة"، وللقارئ الحق أن يأخذ بما يمليه عليه المنطق أو أن يراجع مصادر أخرى تاريخية أو سياسية بما يطمئن به قلبه، مع تقدير هذا الجهد الكبير للكاتب في فضح الأعمال والأفكار المنحرفة لهذه المنظمات التي تتحكّم بمقاليد الحكم والسلطة في شتى بقاع الأرض وخصوصاً أمريكا.