"الرأس المنتصر"/ مهداة إلى الاستشهادية زينب علي أبو سالم "فلسطين"
هي زينب.. أنشودة الشمس على فم النهار.. واشتباك الفصول.. في الوديان والسهول.. وربيع الصيف بالنجيع الجميل.. عندما تلفتت زينب.. اشتعل الياسمين على نوافذ الأمهات.. وراح يعتصر شذاه في مساكب الشهداء... هي زينب.. ألف بندقية قامت.. ألف جواد للفجر ترجّل.. قالت فلسطين من يدرك جموح زينب للشهادة.. تراه من يدرك دم زينب... جمعت جلبابها.. وشدّت حيازيم الشهادة.. ومشت خلفها الفراشات ومواكب الزنبق.. وازدحام العصافير.. على كفيها ووجنتيها.. ومشت.. كل الدروب لها.. كل الباصات.. ووصلت.. وتناثرت.. وعبق أريجها من نحرها الجميل.. وقالت أنا هنا.. أنا زينب الفلسطينية.. هذا رأسي.. أقحوانة وعلامة النصر.. على دفاتر الأطفال.. أنا زينب يا قدس.. أنا العاشقة.. أنا الوجع الفلسطيني.. تقدم جنود العدو ليمسكوا بالرأس.. وجدوا الرأس ينتفض.. ويهتف.. فلسطين لنا من النهر إلى البحر.. تقدم الجنود لكنهم كانوا خائفين، كان الرأس يحاصرهم.. وكان الرعب يملأ قلوبهم.. صوّبوا بنادقهم.. وجاؤوا بضابط الهندسة ليتفحص الرأس.. علّه لا زال مفخخاً.. أرعبهم رأس زينب.. حملوه كقنبلة موقوتة.. وراحوا يتأملون وجهها.. وكان وجه زينب يرتفع قمراً بدرياً.. قال أهل المخيمات.. أنها خرجت من مخيم عسكر.. هناك في نابلس.. لتولد هنا.. ولتولد هناك.. قالت صبايا غزة.. إننا جمعنا نجيعها.. حنّاءَ لأعراسنا.. وأن زينب هي شفق عيوننا الجميل.. أدركتها الشهادة وحمل الرأس.. ومشينا إليه.. نفرش له.. بساط العشق.. لعرس الرأس المنتصر.. ونحن الفلسطينيون. فرحنا يولد من دم العاشقين.. وزينب من أجمل الأسماء.. في الثورة وفلسطين.. هي عنواننا وحبر أقلامنا.. هي الاسم القادم من كربلاء.. وفي كربلاء.. كانت السيدة زينب عليها السلام وكان صوتها.. وكان رأس أخيها الإمام الحسين عليه السلام محمولاً على الرماح.. مشت خلف الرأس.. وهي تردد: وكرامتنا من اللَّه الشهادة. وكان اسمها زينب.. حملت الاسم زينب علي أبو سالم.. شحنة ثورية.. من وادي كربلاء.. ومن نزف القدس والمجازر اليومية.. حملت رأسها إلى أجمل لحظة لقاءٍ مع اللَّه.. توشحت بحجابها.. وزنّرت قلبها.. وتقدمت.. ومتى تدرك الأمة.. شجاعة زينب وجرأتها.. آه.. ما أجملك يا زينب.. وأنت تنتصرين بالرأس.. وحجابك لم يسقط.. علّمنا الشهداء بالوصايا.. "أختاه حجابك أفضل من دمي" فكيف أنت يا زينب.. وقد جمعت الحجاب والدم والشهادة.. سلام عليك يا زينب.. وعلى قلبك الساكن فلسطين.. يظل فينا.. نبض مقاومة وحياة.. سلام.. سلامٌ يا زينب.. يا فتاة الشرف في هذه الأمة... أسمِّيك زينب فلسطين.. وأنت تأتين.. من القلب تأتين.. من العين تأتين.. من كل الحارات.. من تحت الشجر.. وأنت تأتين غمامة مطر.. وقارورة عطرٍ.. بأعراس الشهداء.. وأنت العرس لشمس حريتنا.. يا زينبنا.. يا رعشة الضوء.. عندما أدركته حبّات دمك...
عماد عواضة
****
النسيان نعمة كبرى
هي حكمةٌ ربانية أن ننسى موتانا إلا عند الضرورة، وإلا كانت الحياة توقفت. يُقال في الحياة أن كل شيء يبدأ صغيراً ويكبر، عدا الموت فإنه يبدأ كبيراً ويصغر، وهنا تتجلى نعمة الخالق. مُذ خلقنا ونحن مفطورون على النسيان وهذا من أهم النعم على الإطلاق... أن ننسى ظالمينا... أن ننسى غدر الأيام والدنيا... أن ننسى فقدان الأحبة... وكثيرة هي تلك الأيام المنسيّة، ما يربطنا بهم هو مكانٌ قمنا بزيارته سوياً، هو طعامٌ تشاركنا مذاقه معاً، أو حديث تحاورناه سابقاً. لذلك غالباً ما تناول الشعراء والكتاب هذه النعمة في رواياتهم ليطلعونا على مكانة هذا الموضوع في وجدان الشعوب والبشر. شكراً للخالق لأنه جعلنا عُرضة للنسيان من التذكر، وبالتالي لا نقبع مكاننا محمّلين بأثقال وقيود الماضي بل نعيش الحاضر. مقابل هذا كله لا بُدّ من معادلة أخرى تبرز لنا أهمية عدم النسيان أيضاً وهي عدم نسيان الإحسان والمحبة، عدم نسيان من قد غمرونا بلطفهم يوماً وأحسنوا إلينا بدل الإساءة... من قد وقفوا بجانبنا في أيام الصعوبات... هؤلاء لا يمكن نسيانهم ولو على مرّ الأيام... نكافئهم عبر تخليدهم في ذاكرتنا.. إذاً هي معادلة صعبة بين أن تختار عن عمد نسيان البعض أو أن تختار بملء إرادتك أن تبقى تتذكر... وبين النسيان والتذكر خيطٌ رفيع.
ناريمان عياش