عبد الحليم حمود
* طابع وعملة نقدية لصحافي القرن: تان تان
هو صديق الكلب ميلو والكابتن البحار هادوك ذي المزاج الانفعالي، والبروفسور تورنسول صاحب السمع الضعيف، وهو صديق التوأمين المتشابهين دوبوند ودوبونت وهما مفتشان نستطيع وصفهما بالغبيين دون أي تأنيب ضمير، وتان تان صديق للكثير من أطفال العالم رغم أنه ليس من رموز العولمة المتوحشة. أبصرت شخصية تان تان النور في 10-1-1929 في ملحق الشباب للصحيفة البلجيكية "القرن العشرون". "تان تان في بلاد السوفيات" كانت أولى مغامراته التي نشرت في 23 ألبوماً، تمت ترجمتها إلى أكثر من 60 لغة وبيع منها نحو 200 مليون نسخة. عرف جورج ريمي (1983- 1907) مبتكر شخصية تان تان كيف يعزف على وتر الجماهير فقدم شخصية قريبة من الإيقاع اليومي للحياة وحملها قيماً سامية وسعى إلى استخراج العبر في قصصه حيث ينتصر الخير دائماً، ما يضفي الطمأنينة والأمان على أحاسيس القارئ. هذا العام أحتُفِل بعيد ميلاد تان تان الخامس والسبعين وقد واكب الاحتفالات صدور العديد من المراجع التحليلية حول هذه الشخصية ومبتكرها، كما خصصت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية ملحقاً خاصاً مصوراً في 114 صفحة عن تان تان الذي وصفته بصحافي القرن، كذلك احتفلت صحيفتا "لو سوار" "ولا ليبر" البلجيكيتان بالبطل الذي لا يشيخ. وبريطانيا أيضاً لم تغب عن الحدث فنظمت معرضاً عن مغامراته البحرية، وبهذه المناسبة في بلجيكا تم صك عملة نقدية من فئة 10 يورو تحمل صورة تان تان وكلبه ميلو، كما أصدرت فرنسا طابعاً بريدياً عليه رسمه. تان تان شخصية دخلت التاريخ من بابه الملون وعنها قال الجنرال شارل ديغول: "إن تان تان هو منافسي الوحيد"!
* خادمتان ترسمان وتبدعان: الفرشاة بدل المكنسة!
منذ بضعة سنوات، فيما كنت بصدد إجراء حوار مع الفنان اللبناني عارف الريس في مرسمه في عاليه، أخبرني أن عاملة المنزل وهي من التابعية السريلنكية، تتمتع بموهبة الرسم وهي تنجز لوحات متكاملة من وقت لآخر في أوقات فراغها، حتى أن القيّمين على أحد المعارض اقترحوا أن ينظموا لها معرضاً يدعون إليه نخبة المثقفين والذواقة في البلد. ما أعادني بالذاكرة إلى هذا هو ما قرأته في إحدى الصحف العربية عن خادمة مغربية ترسم ببراعة وخصوصية وهي في السادسة عشر من عمرها. ولدت نزهة مجاهدي في جنوب المغرب، وما إن بلغت سن الثامنة حتى أخبرتها أمها أنها ستذهب لتعيش وتعمل عند إحدى الأسر وهكذا كان ولمدة ثلاث سنوات ثم انتقلت للعمل عند أسرة جديدة يعيش مناخ اللون في أرجائها حيث أن الأب فنان تشكيلي يدعى عز عبد اللَّه. عن أيامها الأولى في هذا المنزل تقول نزهة: "لقد كنت أتعمد التسلل إلى مرسم عبد اللَّه، عندما لا يكون في المنزل لأمارس هوايتي في الرسم وعندما اكتشف الأمر لم يوبخني بل أمدني بالأدوات اللازمة وبدأت أرسم أنا أيضاً وبدأ يعلمني الطريقة الاحترافية للرسم". ما كان تنظيراً في حالة خادمة منزل الفنان عارف الريس أصبح واقعاً في حالة نزهة مجاهدي التي نُظّم لها معرضٌ فرديٌّ خاصٌّ يحتوي نتاجها اللوني وعن هذا الحدث تقول: "يوم الافتتاح كان إحساسي لا يوصف، مزيج من الفرح والدهشة والانبهار بحكم أنه أول معرض فني بالنسبة لي، أعتبره بمثابة ولادة ثانية لي، لقد أحسست لأول مرة أنني أقترب من تحقيق حلمي بأن أكون فنانة بكل ما في الكلمة من معنى، أنا التي اخترت مواضيع لوحاتي من خلال ما أتذكره في طفولتي". وتجربة نزهة لم تكن فطرية بحت بل ساندها مخدومها من خلال استعراض تجارب فنانين كبار كبيكاسو وماتيس أمامها كما كان يتطرق إلى أنواع المدارس التشكيلية لتولد لديها ثقافة بصرية تنطلق من خلالها.