زينب صالح الطحان
تضمن المقال في العدد السابق رؤية ومعلومات تفيد في التعرف على كيفية استيلاء اليهود على عالم "والت ديزني" في أمريكا، وماهية المضمون التربوي الذي تقدمه للأطفال في العالم عموماً، والمتميز بالعنصرية والحقد على العرب والمسلمين. والسؤال الأبرز، لماذا لم نشاهد إلى اليوم عالم رسوم متحركة ناطقة باللغة العربية تحمل الثقافة الأصيلة دون تشويه وتكون خير معين تربوي لأطفالنا في العالم العربي والإسلامي؟ وهناك سؤال آخر وهو هل تحاول السينما العربية بدورها التقدم في مجال سينما الأطفال متجاوزة التأثر بالعالم الأميركي؟ في الحقيقة في السؤال كثير من التجني على هذه السينما، إذ أنها أصلاً ليست مهتمة بعد بهذا المجال؟!!!
فالعمل لأجل الأطفال والتفرغ للكتابة لهم، يعد ذا شأن ضئيل!! وطبعاً الأسباب دائماً واضحة، فسينما الأطفال بما فيها الرسوم المتحركة لا تجلب الشهرة المرتجاة، إضافة إلى وجود الخوف من دخول مضمارها لتكاليفها الباهظة أيضاً. حيث تكلف الدقيقة الواحدة في هوليوود آلاف الدولارات! ولكن هل يمكن اعتبار هذا مبرراً، ف"والت ديزني" بدأ تجربته من العدم، وقد حاربه الكثيرون لإسقاطه، ولكنه صمد واستمر وحول شركته بعد سنوات إلى مؤسسة ضخمة في عالم سينما الأطفال.
* أفلام التحريك في العالم العربي
ولا بد من التوقف عند محاولات فردية ناشئة في العالم العربي منذ سنوات قليلة جداً. تشبه بداية "والت ديزني" وخصوصاً في السعودية والإمارات. ففي المسابقة الرسمية الخاصة بالدورة الثالثة لـ"مسابقة أفلام من الإمارات" في آذار الماضي برز فيلمان جميلان، كشفا عن حِرَفية تقنية وفنية لافتة للنظر، وجمالية مهمة في قراءة مشهد إنساني. لكن هذا لا يعني أن الفيلمين المذكورين، وهما "حقّي في الدنيا" لمحمود يوسف المشني وعمر كوان و"من تفاحة إلى تفاحة" لبهمن نظري (نال تنويهاً من لجنة التحكيم الخاصة)، تألّقا في تقديمهما الحكاية والسياق الدرامي والصُوَر. وكل ما يمكن أن يطلق عليهما أنهما عملان في إطار "فيلم التحريك"، سلّطا ضوءاً متواضعاً على إمكانية بصرية جيّدة الصنعة، قادرة على تطوير لغتها، وحاملة في طياتها بذور احتراف سينمائي ما. وهما أبعد ما يمكن عن أن يقارنا بتقنية ومشهدية وإبداعية عالم "والت ديزني". ففي الفيلم الأول، "حقّي في الدنيا"، صوّر المشني حكاية صبي مُفعم بالحياة والفرح والمحبة، ومتمتّع بحنان أبوي وعالم جميل. وهو، في السياق الدرامي، يبحث عن أجوبة لتأكيد حضوره في هذا العالم، ويطرح أسئلة عن معنى المقبل من الأيام. أما الفيلم الثاني، "من تفاحة إلى تفاحة"، فعبارة عن نقد بصري مبطّن للجشع الإنساني، من خلال شخصية رجل حملت إليه الصدفة كنزاً لم يدرك أهمية المحافظة عليه، بسبب خضوعه للطمع والرغبة في المزيد من الأرباح. هذا ولا يختلف المستوى السعودي عن الإماراتي بالكثير، بل يشوبه الكثير من الاقتباس، وإن حمل معه اسم "الفيلم الإسلامي". فأغلب الموضوعات تكرر نفسها وتفتقد للفكرة الخلاقة والتجديد وتبحث في سردها دائماً عن الهدف الأول "الدعوة والموعظة". فموضوعات مثل المخدرات والعقوق والتوجيهات التربوية المباشرة وتصحيح السلوكيات الفردية هي ما يغلب على أفكار الفيلم الإسلامي، وأهم ما يلفتنا في هذا الموضوع أن كل هذه المحاولات لا تشكل سوى ظاهرة ولم تتخذ طابع المؤسسة التي تلقي على عاتقها هذا الهم والمسؤولية!! تماماً مثلما حدث مع "والت ديزني" راجع المقال في العدد السابق.
* سينما الأطفال العربية: تكريم "ديزني"
من المؤسف جداً أننا ما زلنا منبهرين بهذا "الديزني اليهودي"!! فعلى سبيل المثال لا الحصر في مصر العام 2002، في افتتاح مهرجان سينما الأطفال في دار الأوبرا المصرية كان الفيلم، الذي افتتح به المهرجان هو "شركة المرعبين المتحدة"، والذي أثار لغطاً كبيراً في أوساط العالم العربي تقريباً، وهو فيلم أمريكي من إنتاج شركة "والت ديزني" العالمية التي كانت تحتفل بمناسبة مرور 100 عام على ميلادها. وأكدت المخرجة في التلفزيون المصري "فريال كامل"، عضوة لجنة المشاهدة والاختيار بالمهرجان: "إن هذا الفيلم قد دُفع به ليكون فيلم الافتتاح، لتكريم "والت ديزني" ولقد تعودنا في المهرجانات أن يكون التكريم ضمن برنامج خاص يقام ضمن أنشطة المهرجان، ولكن أن يُقدَّم عمل للمكرَّم في حفل الافتتاح فهذا هو الجديد!!". أما محتوى الفيلم، فقد ظهر أنه يقدم شخصيات مرعبة، وكئيبة، وتظل تردد أنها الوحوش التي تظهر للأطفال في الكوابيس لتخيفهم وهو ما يبدو سلبياً من الناحية التربوية. وشركة ديزني اليهودية استغلت وجودها في المهرجان حيث كانت تسعى لتصميم شعارٍ جديدٍ في المنطقة العربية، وكانت توزع جوائز قيمة على الأطفال المشاركين منها ملابس مرسوم عليها صورة "ميكي ماوس". وكانت سلسلة أفلام "والت ديزني" وما زالت خصوصاً في مصر، عادة تترجم إلى العربية أو في أغلب الأحيان تدبلج إلى اللهجة المصرية، بأسلوبها السردي المرن مع سياق الكلمات المحكية، بلحاظ ما يتم تحريفه سواء على صعيد الفكرة أو المعالجة بغرض ملاءمتها للعالم الإسلامي، من دون تحقيق هذا الغرض في أغلب الأحيان.
* الجمعية المصرية للرسوم المتحركة: دور ضعيف
يعود الدور الأبرز لتطوير "فن الرسوم المتحركة في العالم العربي والإسلامي، إلى دورة الإنتاج المصري، فقد تم إنشاء مجلس إدارة "الجمعية المصرية للرسوم المتحركة"، وهي أول جمعية من نوعها في الوطن العربي والإسلامي، تهدف إلى النهوض بفن الرسوم المتحركة. ومن المؤسف جداً أنه ما زالت الجهات الحكومية تنظر إلى هذا الفن بشيء من عدم التقدير، لاعتقادها أنه فن ثانوي، لذلك يعطى كل من يعمل في هذا المجال من مخرجين ومؤلفين ومحركين، نصف أجر بالمقارنة بأفلام الدراما التي توجه للكبار في مصر؛ مما يؤدي إلى هروب الكثير من العاملين فيه. ومن هنا جاءت مطالبة العديد منهم وزراء الإعلام العرب بأن يخصصوا 1% من ميزانية الإعلام العربي للمساهمة في إنتاج أفلام عربية بجودة عالية وتقنيات عالمية تجذب الأطفال، بتضمينها قيم ومعتقدات مجتمعنا العربي، حتى لا يتأثر أطفالنا بما تحمله الأفلام الأمريكية والأوروبية من قيم غربية دخيلة!! رغم هذا الدور الضعيف، ما زالت المحاولات الفردية تتوسع في العالم العربي، وكلنا أمل أن تتحول إلى شركة واحدة ضخمة تصبح قادرة على تحدي إنتاج عالم "والت ديزني" الصهيوني، لنرجح كفة العولمة الثقافية لصالحنا في المستقبل.