مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من القلب إلى كلّ القلوب: فمن زحزح عن النار(*)

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)


قد نتّكئ على فكرة أنّ الله غفورٌ رحيم، ونُبتلى بالغفلة وطول الأمل. هنا، يأتي القرآن الكريم ليزرع فينا حبّاً لله، ووجلاً منه، وإجلالاً له حين يذكّرنا بما ينتظر العاصين في دار الآخرة.
فهلّا انتهينا؟!


•مشاهد العذاب في الآيات القرآنيّة
1- سورة الهُمزة: ﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾، فالذي يريد الله أن يعذّبه، فإنّه يرميه بإذلال واحتقار في جهنّم. وقد أسماها الله الحطمة لأنّها تهشّم عظام الإنسان، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ*نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ﴾؛ فهذه النار لم يشعلها إنسان، وإنّما هي نار الله الموقدة ومستمرّة الاشتعال، ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾؛ وهي لا تحرق الجسم، والجلد، واللحم والعظم فحسب، بل تصل حرارتها، وقسوتها، وعظمتها إلى الأرواح، والقلوب، والأنفس، ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ*فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾؛ أي هناك أعمدة ضخمة تقفلها، وفوقها ملائكة غِلاظ شِداد.

2- سورة الحاقة: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾؛ أي اربطوا يديه ورجليه، أو –بناءً على تفسير آخر- اربطوا يديه برجليه، ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾؛ أي ألقوه في النار وأحرقوه فيها، ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾؛ أي لا يشجّع على إطعام المساكين، ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ﴾؛ أي لا يوجد معه اليوم حميم، أو صديق، أو حبيب، أو نصير، بل هو وحده. ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾؛ فطعام أهل النار من القيح والدم المذاب، ﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ﴾.

3- سورة الواقعة: ﴿ثمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ*لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾. والزقوم هو شجر من نبات لزج خبيث، حتّى الحيوانات تشمئزّ منه لشدّة رائحته الكريهة، فلا تقترب منه، وهو أيضاً طعام أهل النار، ﴿فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾؛ فعلى الرغم من طعمها الكريه ورائحتها الكريهة، فإنّ أهل النار يأكلونها ويملؤون منها بطونهم لشدّة جوعهم؛ لأنّه ليس لديهم خيار آخر، ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ﴾؛ أي الماء المَغْلِيّ جدّاً، الشديد الحرارة، ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾؛ الهيم هي الإبل العطشى جدّاً، والتي تشرب الماء كثيراً ولا ترتوي، بل وتموت من كثرة شرب الماء، لذلك فهم يشربون شرب الهيم من شدّة عطشهم، ﴿هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾. هذه آخرتهم يوم القيامة، وهذا هو طعامهم، وشرابهم ومكانهم، وحالتهم.

4- سورة الملك: ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * فإذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ﴾ (الملك: 6-7)؛ فهي ليست ناراً مشتعلة فقط، بل تُصدر أصواتاً قويّة جدّاً، تفور وتغلي، إلى حدٍّ أنّ الصوت وحده يكون مرعباً، ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾؛ لأنّه لا يشبعها شيء، وعندما يسألها الله سبحانه وتعالى: ﴿هَلِ امْتَلَأْتِ﴾ فتقول له: ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾؟

•كي لا نكون من أصحاب السعير
هذه الآية هي للعِظة والعِبرة: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾. فخُزّان النار يسألونهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾؛ بمعنى أنّه ألم يأتِ إليكم أحد ليكلّمكم، ويُنذركم بأن تخافوا الله وتتّقوه، فلا تعصوا، ولا تذنبوا، ولا تقتلوا، لا تزنوا، ولا تتعاطوا المخدّرات، ولا تنهبوا المال العامّ، ولا تعتدوا على الناس، وأنّ أمامكم نار جهنّم، وحساباً، وعقاباً؟! ﴿قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. إنّنا نعيش في هذه الدنيا بمأمن من العذاب، ولكن تنتظرنا هناك نار جهنّم في الآخرة، قد نذهب إليها مهما عشنا. فلنحذر، لأنّ العمر يمرّ بسرعة، وسواء عشنا خمسين أو تسعين سنة، فهذا كلّه يساوي يوماً أو بعض يوم عند الله تعالى.

•لنصل إلى الفوز العظيم
فالله الذي خلق جهنّم والنار يحدّثنا عنها، ويصفها لنا، لكي يترك لنا حريّة الاختيار، فكيف سنتصرّف إزاء هذا الموضوع، لكي نصل إلى الفوز العظيم؟ ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾. يجب أن نفكّر دائماً في نتيجة أعمالنا، ونضع هدفاً أمامنا أن لا ندخل النار، بل يجب أن نعمل لندخل الجنّة؛ لذلك، إذا كنّا نحبّ أنفسنا علينا أن نبدأ من هنا، وإذا كنّا نحبّ أهلنا، وناسنا، وإخواننا، علينا أن نعينهم على دينهم حتّى لا يدخلوا النار. هذه هي مسؤوليّتنا.

•طريق النجاة: التوبة وهجر الذنوب
حتّى لا يكون المشهد كلّه مخيفاً، ومرعباً، وشديداً، هناك مشهد آخر لطيف وجميل. فالله سبحانه وتعالى المنتقم، الجبّار، المقتدر، شديد العقاب،... هو نفسه الجواد، الكريم، الحليم، الرحيم، واسع الرحمة، عظيم الحلم، الغفور، المتجاوز عن الإساءة،... وهنا، ماذا يصبح المطلوب منّا؟! ففي الوقت الذي نحن فيه في موقع المذنبين والعاصين، فإنّ الله يأخذ بأيدينا؛ فإذا أردنا طريق النجاة، علينا أن نوقف المعاصي والذنوب. ولا يخيّل إلينا أنّنا نستطيع أن نخدع الله، وإنّما نخدع أنفسنا فقط. فلنتبْ إلى الله، ولنتكلّم معه دائماً، ونقول له، كما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: يا ربّنا، نحن عصيناك، ولكن عندما عصيناك، لم نكن ناكرين لربوبيّتك وألوهيّتك، وعظمتك، ولا لأنّنا مستهينون بك، ونعلم أنّك ترانا وتطّلع على كلّ شيء نفعله، فأعطيتنا حريّتنا، ولكنّ شقوتنا وأنفسنا الأمّارة بالسوء غلبتنا، فعصيناك، ورغم ذلك فإنّك سترت عيوبنا عن الناس.. فنحن يا ربّ، قمنا بأفعال حسنة، فصلّينا، وجاهدنا، وقاتلنا، وتصدّقنا، وقلنا كلمة طيّبة، ولكنّ هذا لا يكفي.. بل طمعُنا يا ربّ بجودك، وكرمك، وسَعة رحمتك، وعفوك، وحلمك، وغفرانك.. وإنّ لنا فيك رجاءً وأملاً كبيراً.

فقد سوّفنا، وماطلنا، وأضعنا أعمارنا، وغرقنا في الذنوب والمعاصي.. ومع ذلك، يطلب منّا سبحانه وتعالى أن لا نيأس، بل ويدعونا أنبياؤنا وأئمّتنا لطلب رحمته، وعفوه، وكرمه...

•بين مقامَي الخوف والرجاء
على الإنسان أن يوازن بين حالتَي الخوف والرجاء؛ لأنّ أحدنا إن لم يكن لديه خوف، فإنّه سيدخل جهنّم، وإن لم يكن لديه رجاء، فخوفه سيُسقطه، وسينهار، وييأس، فسيدخل جهنّم أيضاً. فالخوف والرجاء هما اللذان يصنعان توازناً روحيّاً عند الإنسان، ليكمل مسيره إلى الله سبحانه وتعالى نحو العاقبة الحسنة: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾. ويُنقل عن الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنّة أحد"؛ أي لو أنّ المؤمن يعلم ما يحضّره الله من عقوبات، فلن يطمع بالجنّة، "ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرّحمة ما قنط من الجنة أحد". فهذا هو التوازن بين الخوف والرجاء؛ إذ علينا أن نخاف الله ونخشاه، ونتوكّل عليه، ونحسن الظنّ به في الوقت عينه.


(*) كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في إحياء ليلة القدر الثالثة تاريخ 7/6/2018م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع