نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ميزان السير والسلوك‏


* اتجاهات في السير والسلوك‏
اتفق المسلمون على أهمية ومكانة تزكية النفس وأنها تحقق السير الصحيح في سبيل اللَّه وسلوك صراطه سبحانه وتعالى، إلا أنهم اختلفوا في كيفية هذه التزكية من الناحية النظرية والعملية مما أظهر اتجاهات عملية متعدّدة من هذه الاتجاهات:


1- طريق إرهاق الجسد
فقد اعتقد بعض الناس أن السير والسلوك يتحقق عبر إرهاق الجسد بالمجاهدات والرياضات وهذا الاتجاه فيما يبدو كان موجوداً في الأمم السابقة على الإسلام. وقد ظهر في المجتمع الإسلامي في أشكال متعددة، وقد ظهر اسم "الصوفية" لإحدى الفرق التي كان يلبس أتباعها الصوف حتى في حرِّ الصيف، زهداً وإعراضاً عن الدنيا. ونقل عن أحد الشيوخ أنه ألزم نفسه القيام على رأسه طوال الليل.

2- طريق السقوط من أعين الناس‏
اتجهت بعض الفرق المنسوبة إلى الصوفية إلى طريقة التزكية بتحقير النفس أمام الناس، للسلامة من آفات الجاه والرياء، ولو بارتكاب كبائر الذنوب كما نقل أبو حامد الغزالي عن ابن الكريني أنه سرق أمام الناس، لأنهم عرفوه بالصلاح وأن بعضهم كان يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس، ليعوِّد نفسه الحلم.

3- طريق العزلة
ادَّعى بعض الناس أن تزكية النفس بحاجة إلى العزلة عن المجتمع، وعن الدنيا ونعيمها لينصرف إلى عبادة اللَّه، وقد بنوا الصوامع في أمكنة بعيدة عن الناس ليتعبدوا فيها.

4- طريق التزكية بالأذكار اللسانية:
اعتبر البعض أن تزكية النفس تتحقق من خلال أوراد وأذكار لسانية يكرِّرها السالك، ولا يسمح بالشروع فيها من دون إذن أستاذ خاص لأن ذلك كحكم الأدوية، أحدها مضر، وآخر نافع.

* سؤال ملح‏
هل هذه الطرق كلها صحيحة؟ أم كلها باطلة؟ أو بعضها صحيح والآخر باطل؟
وما هو هذا الميزان الذي من خلاله نعرف الطريق الصحيح من الطريق الباطل لتزكية أنفسنا ولسيرنا في سبيل اللَّه ولتحقيق كمالنا الإنساني؟

* الميزان والقرآن:
الجواب في عنوانه الأول واضح. إن الميزان والمعيار والمرجع في ذلك هو كتاب اللَّه تعالى، القرآن الكريم، ألمْ يسمِّه اللَّه تعالى فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل فقال تعالى: ﴿نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه(الفرقان/1).
قد يعلِّق البعض قائلاً: إن ما ذكر من اتجاهات سابقاً وغيرها أصحابها يدَّعون انسجامها مع هذا الكتاب العزيز، من هنا كيف يكون القرآن ميزاناً ومعياراً؟

* القرآن والرسول صلى الله عليه وآله:
والجواب من القرآن الكريم الذي أرجع بشكل واضح تفاصيل الرسالة الإلهية، وأجوبته على أسئلة الناس إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبد اللَّه ا فقال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.
إذن السؤال عن ميزان السير والسلوك يتوجَّه إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، فما هو هذا الميزان يا رسول اللَّه؟

* بين يدي الرسول ا لمعرفة الميزان:
لقد أجاب نبيُّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وبيَّن أمام ملأ عظيم يتعدَّى مئة ألف مسلم ليكون متواتراً على مدى الأيام والعصور، مقياس الحق والباطل للشريعة التامة الخالدة التي طالما حلم وسعى نحوها الأنبياء والأولياء عبر التاريخ. وهو يتمثل بأشخاص استثنائيين هم وعاء لعلم النبي صلى الله عليه وآله ومستودع لسنَّته وحافظون للدين الحنيف. هم أئمة أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي كان محلّ‏َ الفيض الإلهي والتعليم النبوي، الذي أكَّدت الروايات أن هذا التعليم الخاص كان بأمر إلهي، فقد روى أبو نعيم الحافظ الشافعي (ت 430ه) بإسناده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "يا علي، إن اللَّه عزَّ وجلّ‏َ أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) وأنت أذن واعية للعلم". حدَّد النبي صلى الله عليه وآله للشريعة مدخلاً ولعلمه باباً من أراد أن يغترف لا بد أن يدخل منه فقالا: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها". وشاءت الإرادة الإلهية أن تنتقل هذه السنَّة المطهَّرة من صدور طاهرة إلى صدور طاهرة ليكون أئمة أهل البيت عليهم السلام مع القرآن توأم التشريع الذي خلّفه رسول اللَّه وأمر أمته بالتمسّك به حينما قال: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ولن يفترقا حتى يردا عليّ‏َ الحوض".

* ميزان التزكية على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله:
هو الكتاب والنبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام. الميزان والمعيار الأول لتحديد الحق من الباطل، هو كتاب اللَّه، والمبيِّن له هو السنَّة النبوية المطهَّرة، وأهل بيت العصمة الذين هم أعلم الناس بالرسالة وحفظتها وخزنتها ومبلِّغوها والأدلاء على الصراط المستقيم. لذلك ورد عن أهل بيت العصمة: "واللَّه نحن الصراط". وعليه فإن السؤال عن ميزان التمييز بين التزكية الصحيحة والتزكية الخطأ جوابه من أحكام الدين والشرع الحنيف الموجودة في الكتاب والسُنُّة، في القرآن ولدى العترة. ويبقى السؤال:

كيف لي أن أتعرَّف على هذا الميزان وهذه الشريعة فأهل البيت الشهداء عليهم السلام بقيتهم الأعظم عجل الله فرجه غائب، وأحاديث أهل البيت عليهم السلام منتشرة في مئات الكتب، فكيف لي أن أتعرَّف على ما صح من الأحاديث الواردة عنهم و، لأتعرف على الشريعة الحقة بموضوعية ومنهج سليم؟

الجواب: الميزان ظاهر الشريعة:
هذا الأمر يتسنَّى لمن تخصَّص في دراسة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بعد أن حصَّل المقدِّمات العلمية التي تحتاج هذه الدراسة إليها فوصل إلى مرحلة تمكنُّه من فهم الشريعة برؤية واضحة للوصول إلى هذه النتيجة، وهذا الإنسان المتخصِّص هو الذي يسمى بالفقيه والمجتهد فالفقيه المجتهد يوفقه اللَّه من خلال نتائج اجتهاده إلى معرفة الميزان الذي من خلاله يميِّز السلوك الحق من السلوك الباطل. فمن لم يتخصص في دراسة الإسلام والشريعة المطهَّرة عليه أن يرجع إلى المتخصص فيها ويعتمد عليه بالالتزام بالأحكام الشرعية، وهي ما يُطلق عليها وتُسمَّى ب"ظاهر الشريعة". فأيّ‏َ مخالفة لظاهر الشريعة في بداية السير والسلوك أو أثنائه هو انحراف عن سبيل اللَّه وعن صراطه المستقيم.

* ميزان السير والسلوك عن لسان الإمام الخميني قدس سره:
أكَّد العارف الكبير والفقيه المتألِّه الإمام الخميني"قده" "... أن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلا بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدّب الإنسان بآداب الشريعة الحقة لا يحصل له شي‏ء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة، وتتكشف العلوم الباطنية، وأسرار الشريعة، وبعد انكشاف الحقيقة، وظهور أنوار المعارف في قلبه، سيستمر أيضاً في تأدبه بالآداب الشرعية الظاهرية". ويتابع الإمام الخميني قدس سره قوله: "ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول: "إن الوصول إلى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر"، أو "إنه وبعد الوصول إلى العلم الباطن ينتفي الاحتياج إلى الآداب الظاهرية". وهذه الدعوى ترجع إلى جهل من يقول بها، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الإنسانية"

(*) ملخص من كتاب "السير والسلوك الميزان، القاعدة، البرنامج" للشيخ أكرم بركات.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع