السيد عباس علي الموسوي
من خصوصيّات زمن المهدي عليه السلام ومن العلامات الفارقة لذلك الزمان أن يعمّ الأمن ويستتبّ السلام في كل أرجاء العالم. ولا يخفى على أحد قيمة الأمن وأهميّته، وتأثيره على كل الصُّعد ومختلف الميادين. ونقرأ في دعاء إبراهيم عليه السلام الذي صدع به لربه قبل آلاف السنين دعاءه لمكّة ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ (البقرة: 126).
إن إبراهيم عليه السلام أول ما دعا لمكّة أن يجعلها الله آمنة، لأنّ الأمن أهمّ عامل من عوامل الاستقرار والازدهار فمن لم يأمن على نفسه ووجوده لا يقرّ له قرار ولا يطيب له عيش لأنّه مهدّد في أصل وجوده. فإذا اطمأن الإنسان إلى الأمان في حياته انصرف بعد ذلك إلى قضاياه الأخرى وحاول أن يستثمر الطاقات وينميّها فتزدهر الحياة ويعيش الناس في أرقى المجتمعات حيث يتحقّق لهم كل ما يتطلّعون إليه ويرغبون فيه سواء كان ذلك مادياً أم معنوياً، ثقافياً أم روحياً أم اجتماعياً.
* بركات المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
في زمن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يتحقق هذا الحلم الغالي - الذي لم يتحقق بعدُ إلى الآن ولم تنعم البشرية فيه حتى يومنا الحاضر - حيث يعمّ الأمن المجتمع بكل شرائحه ولا يحصل ما يهدّد الحياة. إذ إن بركات المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تنتشر بين الناس حيث لا حروب ولا قتال، ويكون الغنى عاماً وترتفع الحاجة من بين الناس وتترقّى العقول لتبلغ من الوعي أرفع ما يكون. وأما التديّن والالتزام بطاعة الله فهو قرّة العين، ومراد المريدين، والمطلب الأسمى الذي ينشده كل فرد في ذلك المجتمع. وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثه عن زمن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف قوله: "حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه"1.
وفي رواية أخرى عن الإمام أبي جعفر عليه السلام يقول: "وكأني بالعجوز وعلى رأسها مِكتل فيه برُّ حتى تطحنه بكربلاء"2.
* آمنة حتى من الوحوش الكاسرة
إن اطمئنان الناس على أنفسهم والأمن الذي يعيشون فيه زمن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، يجعل المرأة العجوز الضعيفة التي لا تملك قدرة الدفاع عن نفسها، تمشي باطمئنان من المدينة إلى كربلاء أو من العراق إلى الشام، وهي آمنة على نفسها من أذى الناس، بل ومن أذى الوحوش الكاسرة التي تحمل طبيعة الاعتداء والافتراس... أما الأمن في أرقى درجاته، فإنه يتحقق بين الحيوانات المفترسة التي تأمن على نفسها ممن هو أقوى منها، وأقدر على الفتك. فتأمن جانب القوي وتعيش معه جنباً إلى جنب لا تخاف منه ولا تحترز من أذاه.
في الحديث عن علي عليه السلام وهو يتحدث عن بعثة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول: "وتصطلح في ملكه السباع"3. وفي رواية أخرى عن أمير المؤمنين وبلسان قريب من هذا اللسان: "واصطلحت السباع والبهائم"4. وفي كتاب منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي عن الصادق عليه السلام يقول -وهو يتحدث عن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف-: "وتخرج الأرض بذرها وتأمن وحوشها وسباعها..."5.
* أحلامنا حقائق في زمن الموعود
انظر رعاك الله كيف ينتشر الأمن زمن المهدي عليه السلام فهل هذه أحلام أم حقائق قد تكون (اليوم) أحلاماً؟ - لفقدان الأمن وخوف الناس الدائم على مصيرهم - ولكنها الحقيقة، في زمن المهدي عليه السلام سيعيشها الناس كما تعيشها الحيوانات الكاسرة، والبهائم الوادعة الضعيفة، وجنباً إلى جنب لا يهيجها القوي ولا يجعلها تخاف من بطشه واعتدائه...
وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يصف أيام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: وترعى الشاة والذئب في مكان واحد، وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا يضرّهم شيء. ويذهب الشر ويبقى الخير6. وللإمام أمير المؤمنين كلام آخر يقول فيه: "وأُلقي في ذلك الزمان الأمان على الأرض، فلا يضر شيء شيئاً، ولا يخاف شيء من شيء. ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضاً"7.
* وحوشها كالأنعام
صورة راقية منتهى الرقي لمجتمع عصر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، صورة عامة لكل الأحياء؛ فالسلام يعود طبيعة الأحياء كلهم بما فيهم الحيوانات، وحتى التي من طبعها الإيذاء والاعتداء تعود وادعة، مسالمة، لا تحمل إلا الخير...
وعن أمير المؤمنين وهو يصف حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بين الأقطار يقول: "فيخطب [المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف] الناس فتستبشر الأرض بالعدل وتعطي السماء قطرها والشجر ثمرها والأرض نباتها وتتزّين لأهلها وتأمن الوحوش حتى ترتع في طرق الأرض كأنعامهم"8.
1.الخصال، الصدوق، ص626.
2.بحار الأنوار، المجلسي، ج52، ص331.
3.م.ن، ص280.
4.م.ن، ص316.
5.منتخب الأثر، ج2، ص117.
6.إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي الحائري، ج2، ص181.
7.م.ن، ص260
8.بحار الأنوار، م.س، ج53، ص 82.