فيصل الأشمر
كانت نظرة المسلمين، ولا تزال، إلى الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه نظرةً عنوانها الأمل بالمستقبل الآتي الذي ستُملأ فيه الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. ولذلك كان الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه على ألسنة المؤمنين في أدعيتهم وصلواتهم، في لياليهم ونهاراتهم، في أتراحهم وأفراحهم. وإذا ذهبنا إلى شعرنا العربي، لوجدناه يتضمن أجمل القصائد في ذكر صاحب العصر والزمان، التي أطلقها أصحابها شوقاً إلى الأمل المنتظر والعدل المرتجى.
*يقول السيد رضا الموسوي الهندي مناجياً ولي الأمر وسيد الزمان عليه السلام:
وِردٌ(1) هنيٌّ ولا عيش لنا رغدُ(2) |
يا صاحب العصر أدركنا فليس لنا |
يابن الزكيِّ لليل الانتظارِ غدُ |
طالت علينا ليالي الانتظار فهل |
يكاد يأتي على إنسانها(5) الرمد |
فاكحل بطلعتك الغرَّا(3) لنا مُقَلاً(4) |
بها النوائب لما خانها الجلد |
فانهض فدتك بقايا أنفس ظفرت |
لاقى بسبعين جيشاً ما له عدد |
هب أن جندك معدودٌ فجدك قد |
ويقول الشاعر نفسه في قصيدة أخرى:
وما أبصرت عيني محيّاك يا بدرُ |
تمادى زمان البعد وامتدَّ ليلهُ |
ليألفَ قلبي في تباعدك الصبر |
ولو لم تعللني بوعدك لم يكن |
رخاء، وإن العسر من بعده يسر |
ولكن عقبى كل ضيق وشدة |
فعن كثب يبدو بظلمائه الفجر |
وإن زمان الظلم إن طال ليله |
لألوية الدين الحنيف به نشر |
ويطوى بساط الجور في عدل سيدٍ |
بها يذر الأطواد يرجحها الذر |
هو القائم المهدي ذو الوطأة التي |
يلبيه بيت الله والركن والحَجْرُ |
هو الغائب المأمول يوم ظهوره |
بذا كله قد أنبأ المصطفى الطهر |
هو ابن الإمام العسكري محمد |
لينتشر المعروفُ في الناس والبرُّ |
وإني لأرجو أن يحين ظهوره |
فتضحك من بِشْرٍ إذا ما بكى القطر |
ويُحيي به قطرُ الحيا(6) ميِّتَ الثرى |
وقد بلغ الأمر ببعض الشعراء إلى حد رفع العتاب الرقيق إلى مقام الإمام الغائب عليه السلام، بسبب نفاد صبر المنتظرين المؤمّلين لإطلالة شمس العدل على البشرية.
*يقول جعفر الحلي موجهاً خطابه إلى الحجة عليه السلام:
أَلقى الزَمان عَلَيهِ حَجبه |
يا صاحب الأمر الَّذي |
ك لَنا إِلى عَلياك نَدبه(7) |
أَفكل يَوم مِن عدا |
لَو يَسلُّ اليَوم عَضبه(8) |
ماذا عَلى حامي الشَريعة |
م وَلا أَطاع اللَه رَبَّه |
وَتَبيد خَلقاً ما استَقا |
أَخذته أَيدي الشرك غَلبه |
ماذا القُعود وَحقكم |
داءٍ يَرى بِالسَيف طبَّه(9) |
أَفيقعد المقدام عَن |
*ويخاطب جعفر النقدي الإمام عليه السلام معتبراً أن لا عيد يسِرُّ إلا عيد مقدم الإمام من غيبته، وأن العصر قبل خروج الإمام هو عصر الشر، فيقول:
مذ ساءني رزؤكم(11) ما سرني عيدُ |
أما وعينيك إن القلب مكمودُ(10) |
تُلقى إليك من الدنيا مقاليد(12) |
ما العيد إلا بيوم فيه أنت تُرى |
جوراً وقد حل في أعداك تنكيد(13) |
وتملأ الأرض قسطاً بعدما ملئت |
أخياره وبنو الأشرار قد زيدوا |
يا صاحب العصر إن العصر قد نقصت |
قد جردته الأعادي وهو مغمود |
وصارم الغدر في أعناق شيعتكم |
تبدو فيفرح إيمان وتوحيد |
اللَّه أكبر يابن العسكريّ متى |
شمل الزمان به قد حل تبديد |
فديتُ صبرك كم تغضي(14) وأنت ترى |
وملؤهن من الأرزاء تسهيد |
وذي نواظرنا تجري مدامعها |
إلا بها مأتم للسبط معقود |
تالله ما انعقدت يوماً محافلنا |
*ويستصرخ محمد بن الحسين الخليلي الإمام الحجة عليه السلام شاكياً إليه جور الزمان قائلاً:
دارت علينا الرزايا من نواحينا |
يا صاحب الأمر يا بن العسكريّ لقد |
ذلاً وقتلاً وتشريداً لأهلينا |
وكلّفتنا الليالي فوق طاقتنا |
سهمَ الوباء وظلت فيه ترمينا |
واستنزعت من سهام الدهر أنفذَها |
من جور هذي الليالي أنت تنجينا |
يا صاحب الأمر لذنا في ولاك فكن |
*أما إبن علوي الحداد، فيقول في صاحب الزمان عليه السلام:
وَقَد حانَ لَيلُ الجورِ يَنزاحُ حالِكُه |
لَقَد آنَ صُبحُ العَدلِ يَنشَقُّ فَجرُهُ |
حَليف التُقى خَير الأَنامِ وَناسِكُه |
بِطَلعَةِ اِبنِ المُصطَفى عَلَم الهُدى |
إِمام الهُدى بِالقِسطِ قامَت مُمالِكُه |
مُحَمَّد المَهدِيّ خَليفَة رَبّنا |
يُبايِعُهُ مِن كُلِّ حِزبٍ مُبارِكُه |
كَأَنّي بِهِ بَينَ المَقامِ وَرُكِنها |
وَيَحيا بِهِ دينُ الهُدى وَمَناسِكُه |
بَهِ يَنعَشُ الرَحمَنُ مِلَّةَ جَدِّهِ |
(1) الوِرد: النصيب من الماء.
(2) العيش الرغد: الطيب والمتسع.
(3) الغرّا: الغراء أي الجميلة الحسنة.
(4) المقَل: العيون.
(5) إنسان العين: ناظرها.
(6) الحيا: المطر.
(7) الندبة: الدعاء والحث على الأمر.
(8) العضب: السيف القاطع.
(9) الطب: العلاج
(10) مكمود: مريض.
(11) الرزء: المصيبة.
(12) المقاليد: المفاتيح.
(13) التنكيد: تكدير العيش.
(14) تغضي: تسكت على الأمر.