مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أوّل الكلام‏: محراث القلوب‏

الشيخ يوسف سرور



عندما تبدأ معركة الزمن تظهر نتائجها، وينجلي غبارها، عن انسحاب سطوع نور الشمس، وانسلال خيوطه من فضاءات البسيطة، وعندما تخلي حزم الضوء، بل صفحات الضوء حيز انبساطها، متكورة على نفسها في ارتداد مذهل. عندما تبدأ ستائر الليل بإرخاء أثقالها على آفاق الأرض، تعدو مسرعة لطرد آخر فلول النور، تضع على عاتقها إعدام كل بصيص يحاول التشبث بصقع عثر فيه على لحظة الأنس المرجوة. عندها تبدأ الأوهام لعبتها في احتلال ما أمكنها من زوايا القلوب، وتجمح المخيلات في ابتداع صور الأشياء الموهومة لتملأ أحياناً كل مساحات الذاكرة، لأن الليل ساتر، والعتمة تحمي من يأنس بها، تفتح لها مساحات الإمكان ليعبث بها ما أسعفته قدرته. تستحكم آلة الوهم قوة واقتداراً، كلما اشتدت الظلمة حلكة وازداد الليل سواداً.

جنود الخيال ترتع في جنبات هذا الليل، لا تألو جهداً في ابتداع الصور، ولا ينثني عزمها عن اختلاق الأشكال والأرقام والأسماء، والتلاوين التي تجيد مل‏ء تجاويف كل الحياة. هكذا، تعبث الأوهام بقوى الآدميين حين يتم قهر النور في معركة محتدمة لا يخبو أوارها، ولا تنطفئ نارها. تعبث طيور الخيال بأفئدة الرجال، وتسرح عنقاء الأحلام في مساحات المستحيل، مزينة لنساء الأرض والأطفال آمالاً عريضة في حاضرنا والآتي من الأيام. هنا تبدأ الأفكار رحلتها في بحثٍ مضنٍ، متسلحة بما أمدتها به الخيالات من العديد والعدة، تسعى في سبيل نسج الأيام والعمر على هذا المنوال الوهمي... تبني قلاع الأمان على كثبان الوهم، وتشيد قصور السعادة في حدائق الخيال. يستحيل عندها كل حساب الحياة وهماً، مبنياً على أوهام... حتى مشاعر الآدميين وأمزجتهم يصبح تفاعلها وانفعالها يخرج إلى حيز الظهور ممتطياً جياد الخيال، يعبر المساحات على جسور الوهم.

عندها يبدأ الناس في العمل على حصاد أفعالهم... والتنقيب عن الأهداف التي عملوا لأجل بلوغها... عندما تشرع الأيادي بتحسس الأشياء بحثاً عن غاياتها المرجوة، ومحاولة التحقق من بلوغ أحلامها المأمولة... عندما يقف الناس أمام الحقائق وجهاً لوجه... وتبدأ الأوهام بالانهيار والتبدد، يقف المرء في لحظة حيرة وذهول، غير مصدِّق أن الذي عمل من أجله، وعمل معه وفيه، لم يكن شيئاً، أو كان غير الذي بناه ينظر يمنة ويسرة، يكرر تحسس الحيز الذي يليه، يحاول التأكد مما عثر عليه... يرتد خائباً تملأ حلقه الغصة، وتغمر قلبه الحسرة. وكلما انسابت اللحظات وتتالت الأيام وتوالت السنون، كلما تكررت الحسرة، وعظمت الغصة، يبدأ الشعور بالندم على ما فرّط.

هنا، إذا خرج من لحظاته وتفاصيله، وقف في لحظة تأمل.. عرف أنه يقبع في لجة العتمة المقيتة، وحنايا فكره وزوايا قلبه تملأها الأوهام وتعشش فيها الأعدام. عندها يقع المرء في حالة من موت القلب، وتبلّد الذهن، ويعلم شيئاً واحداً، هو أن عقله يسرح في رحلة سبات عميقة، تريد ما يوقظها. يعلم حينها أن الظلمة المخيمة على القلوب، والعتمة المهيمنة على العقول، تحتاج إلى ملئها بنور يكتنف جنباتها، تمنع الخفافيش والخيالات والأوهام من أسر الذات وقواها، وسوقها في رحلة وهم لا تنتهي.

يبدأ البحث عن مصادر للنور تبدد ظلمته، عن كلمة طيبة توقظ عقله، عن عمل صالح يحيي قلبه، عن يدٍ حانية تربّت على كتفه، وتمسح عن وجهه الشاحب وجع الأيام وأوهام السنين. في تموز وآب، كان قادة جيش النور الكلمة الطيبةَ... الأذانَ الإلهي الصادح، الذي بلغ كل أسماع العقول الحية... كان محراث القلوب الميتة، يبدد عنها الأوهام الأنسية والنفسية، ينثر دمه الزاكي باعثاً رذاذه نوراً إلى كل الزوايا والمساحات المظلمة، يوقظ كل الغافلين، يبعث الحياة لتنبض من جديد في النفوس التي أماتها وهم الشياطين الآدمية يحرث القلوب الموات، يُعدُّها لاستقبال الغيث الإلهي...

بقية اللَّه... شمس تسطع لتحيي كل القلوب، وتنير كل العقول، وتبدد كل أوهام الأبالسة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع