مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك: الصهيونية واليهودية الأرثوذكسية: نقاط التباين والتوافق‏

علي حيدر


تعرضت اليهودية، كما بقية الأديان، لعدة انقسامات عبر تاريخها الطويل... ومن أبرز المذاهب اليهودية الحالية اليهودية الأرثوذكسية، التي تشكل غالبية اليهود في إسرائيل، فيما تشكل اليهودية الإصلاحية والمحافظة أغلبية اليهود في الولايات المتحدة.

* طبيعة اليهودية الأرثوذكسية
وتعتبر الأرثوذكسية، بشكل أو بآخر، امتداداً للفرّيسيين منذ أيام الهيكل الثاني، الذين يعتقدون بالتوراة المكتوبة والأخرى الشفهية التي تناقلها اليهود. ومن الجدير الإشارة إلى أن الأرثوذكسية نفسها تنقسم إلى حريديم ومتدينين قوميين، بالإضافة إلى تقسيمات أخرى... حتى أن أكثرية العلمانيين والتقليديين في إسرائيل يعتبرون أنفسهم جزءً من اليهود الأرثوذكس. ويعتبر العديد من المؤرخين أن الأرثوذكسية ليست استمراراً مباشراً لليهودية التقليدية، وإنما هي تجديد لليهودية حصل في بداية القرن التاسع عشر، أتت رداً على مسارات الحداثة والعلمنة من جهة، والحركة الإصلاحية الدينية من جهة أخرى. وتفسير ذلك، بحسب هؤلاء المؤرخين، أنه في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر، تبنى الكثير من اليهود الألمان اليهودية الإصلاحية في المجالات العقائدية والتطبيقات الشرائعية. ورداً على ذلك حصَّنت اليهودية الأرثوذكسية أسوار الجماعات الدينية عبر فتاوى متشددة ومحافظة. وفي هذا المجال صاغ هحتام سوفر، الذي يعتبر بنظر كثيرين مؤسس الأرثوذكسية، قاعدة "الجديد ممنوع في التوراة". وهكذا حوَّل "الممنوعات المشكوك بها إلى ممنوعات يقينية، والعادات البسيطة إلى أحكام إلهية...".

* نقاط الاختلاف‏
ويمكن تحديد القضايا الأساسية التي تمحور حولها الفرز بين الصهيونية والمعتقدات الدينية اليهودية (الأرثوذكسية) بالنقاط التالية:

1 - طبيعة الرابط بين اليهود: تجلي الاختلاف في تحديد الرابط بين اليهود المنتشرين في أنحاء العالم: هل هو القومية اليهودية أم الدين اليهودي أو بعبارة أخرى ممارسة الفرائض الدينية والتزام تعاليم التوراة التي حافظت، بنظر المتدينين، على تميز ووجود اليهود بين الأمم؟ فقد رأى قسم من المتدينين أن اعتبار القومية عاملاً موحداً لليهود يشجع على التخلي عن الالتزام بالفرائض الدينية.

2 - كيفية تحقيق خلاص اليهود: مارست الصهيونية نشاطها "الخلاصي" بوسائل سياسية ودنيوية كأي حركة سياسية تتحرك على الساحة الدولية، وعملت على التحالف مع دول عظمى للوصول إلى أهدافها. بينما اعتبر المتدينون أن الصهيونية هي حركة مشيحانية كاذبة تحاول تعجيل النهاية بوسائل دنيوية، في حين أن خلاص اليهود يتم بقدوم المشيح وجمع الشتات... وهو عملية سماوية لا أرضية، ولا تتم ضمن حركة التاريخ الفعلية وإنما تأتي إلغاءً لحركة التاريخ الواقعية.

3 - النظرة إلى الأمم الأخرى: اعتمدت الصهيونية، بنظر المتدينين، على حسن نية الأمم تجاه اليهود ومساعدتهم. وهذا ما لا يتلاءم مع النظرة الدينية التي تنظر بتشكك وعداء للأمم الأخرى. لكن هذه الرؤية ضعفت مع توالي الأحداث عندما احتضنت الدول العظمى مشروع إقامة دولة صهيونية في فلسطين، خاصة وأننا شهدنا، وما زلنا، دعماً دولياً وأميركياً، وسابقاً احتضاناً ودعماً بريطانياً. بدأ التيار الديني في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بمعارضة الصهيونية، لكنه انتهى إلى مواقف مغايرة لتلك التي انطلق منها. وتراوحت المواقف المستجدة بين من قام بالتوفيق بين التمسك بالمعتقدات الدينية والمفاهيم الصهيونية القومية، وصولاً إلى من تعامل مع إسرائيل كدولة مثل باقي الدول، إلى درجة أنه يعتبر نفسه ما زال في المنفى ولكن هذا المنفى، في هذه الحالة، دولة إسرائيل! وما بينهما من آراء وتيارات.

* من التباين إلى التوافق‏
كيف تطورت مواقف التيار الديني من الصهيونية ودولة إسرائيل، ولماذا؟

الملاحظة الأساسية التي تحدد طابع تحولات اليهودية الأرثوذكسية أنها حصلت بشكل متدرج، على خلفية التأثر بالعلاقة المأزومة التي كانت بين اليهود والمجتمعات المسيحية الغربية في أوروبا، وبالتطورات السياسية، وتحديداً ما تعرض له يهود شرق أوروبا وروسيا القيصرية. بدأت عملية التحول بمحاولة التوفيق بين التمسك بمعتقدات اليهودية والصهيونية على حد سواء. بحيث يمكن أن يكون المتدين صهيونياً والعكس صحيح، من دون إعطاء الصهيونية قيمة دينية. وانتشرت هذه الدعوى وسط الأرثوذكسيين في أوروبا الشرقية. واستوعبت حركة المتدينين الصهيونيين في داخلها تناقضات الحركة الصهيونية. لكن، لما كانت الصهيونية لم تفصل الانتماء الديني عن الانتماء القومي، كانت النتيجة الطبيعية أن يخلط التيار الديني القومي بينهما مع توالي الأيام. وانفجرت هذه التناقضات في أعقاب حرب العام 1967 التي عززت البعد الديني لإسرائيل بالنسبة للمتدينين اليهود. وخاضت الحركة الدينية القومية أيضاً صراعاً على جبهتين: مع المتدينين من غير الصهاينة ومع العلمانيين الصهاينة. وكانت أسباب الصراع مع الطرف الأول لرفضهم اعتبار أن الرابط بين اليهود هو رابط قومي ولتعارض ذلك مع محتوى عقائدهم الخلاصية ومع الطرف الثاني (العلمانيين الصهيونيين)، بسبب التضارب في المفاهيم، العلمانية والدينية اليهودية، للدولة وللمجتمع، وأيضاً بخصوص التباين في النظرة للدولة، إذ يضفي التيار الديني الصهيوني بعداً مشيحانياً عليها باعتبارها بداية الخلاص، في حين يركز التيار العلماني على البعد السياسي والعلماني للدولة. انتشر تيار دعاة الجمع بين العقائد والمفاهيم الدينية وبين الصهيونية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، بين الجاليات اليهودية في شرق أوروبا وكان من أبرزهم الحاخام كاليشر والحاخام يهودا القلعي.

 لكن أبرز وأشهر ممثلي هذا التيار كان الحاخام أبراهام يهودا كوك الذي أكمل طريقه ابنه، الحاخام تسفي يهودا كوك. يشكل فكر الحاخام كوك انعكاساً دينياً واعياً للفكرة الصهيونية. فالرؤيتان المشيحانية والخلاصية، بنظره، لا تتنافيان مع حركة التاريخ، بل هما جوهر الحركة التاريخية ذاتها. وخطة الحركة التاريخية مقررة سلفاً، وهي تتجه نحو الخلاص وقدوم المشيح. واعتبر الحاخام كوك أن العلمانيين ينفذون إرادة الله من دون أن يدركوا ذلك في وعيهم الذاتي، وما يريدونه لا يعلمونه هم أنفسهم. وحل الحاخام كوك بذلك تناقضات التيار الصهيوني الديني بالنسبة لأتباعه ورد بشدة على انتقادات اليهود الأرثوذكس للتعاون مع العلمانيين، شارحاً أنه من الضروري التمييز بين الإرادة والرغبة الذاتية للفرد الفاعل في التاريخ وبين النتائج الموضوعية لأعماله. وبالتالي، فقد اعتبرت الحركة الصهيونية الدينية أن الصهاينة العلمانيين وإن أرادوا مشروعاً علمانياً قومياً فإنهم أدوات في يد الله يصنع بهم الخلاص لشعبه. واعتبر كوك أن الواقع المادي الملموس خطة غيبية تخلط الدين والسياسة والأخلاق بحركة الواقع ذاتها، بحيث نظر إلى أرض إسرائيل والاستيطان والزي العسكري كقيمة مقدسة، وهي نفسها القيم المقدسة لدى المتطرفين الصهيونيين العلمانيين في معسكر اليمين الإسرائيلي. وتبنى الحاخام كوك نظرية أن الشعب اليهودي لا ينتظر الخلاص، وإنما ينفذ عملية الخلاص من خلال دولة إسرائيل، وأن الأمة هي الآن في خضم عملية الخلاص.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع