نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح اللَّه‏: العصبية طريق الهلاك‏


عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من كان في قلبه حبة خردل من عصبية، بعثه اللَّه يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"(1). العصبيّ: هو الذي يعين قومه على الظلم ويغضب لعصبته ويحامي عنهم. وعُصبة المرء أقرباؤه من جهة الأب، لأنهم يحيطون به فيقوى بهم. والتعصب بمعنى الحماية والدفاع. العصبية واحدة من السجايا الباطنية النفسانية. ومن آثارها الدفاع عن الأقرباء، وجميع المرتبطين به وحمايتهم، بما في ذلك الارتباط الديني أو المذهبي أو المسلكي، وكذلك الارتباط بالوطن وترابه، وغير ذلك من ارتباط المرء بمعلّمه، أو بأستاذه، أو بتلامذته وما إلى ذلك.

والعصبية من الأخلاق الفاسدة والسجايا غير الحميدة، وتكون سبباً في إيجاد مفاسد في الأخلاق وفي العمل. وهي بذاتها مذمومة حتى وإن كانت في سبيل الحق، أو من أجل أمر ديني، من غير أن يكون مستهدفاً لإظهار الحقيقة، بل يكون من أجل تفوقه أو تفوق مسلكه ومسلك عصبته. أما إظهار الحق والحقيقة وإثبات الأمور الصحيحة والترويج لها وحمايتها والدفاع عنها، فإما أنه ليس من التعصب، وإما أنه ليس تعصباً مذموماً.


* مقياس التعصب‏
إن المقياس في الاختلاف يتمثل في الأغراض والأهداف وخطوات النفس والشيطان أو خطوات الحق والرحمن. وبعبارة أخرى، إن المرء إذا تعصّب لأقربائه أو أحبّتِهِ ودافع عنهم، فما كان بقصد إظهار الحق ودحض الباطل، فهو تعصب محمود ودفاع عن الحق والحقيقة، ويعدّ من أفضل الكمالات الإنسانية، ومن خُلُق الأنبياء والأولياء. وعلامته المميزة هو أن يميل الإنسان إلى حيث يميل الحق فيدافع عنه، حتى وإن لم يكن هذا الحق إلى جانب من يحبّ، بل حتى لو كان الحق إلى جانب أعدائه. إن شخصاً هذا شأنه يكون من جملة حماة الحقيقة، ومن زمرة المدافعين عن الفضيلة ومن الأعضاء الصالحين في المجتمع، ومن المصلحين لمفاسده. أما إذا تحرّك بدافع قوميته وعصبيته، بحيث أخذ بالدفاع عن قومه وأحبته في باطلهم وسايرهم فيه ودافع عنهم، فهذا شخص تجلت فيه السجية الخبيثة، سجية العصبية الجاهلية، وأصبح عضواً فاسداً في المجتمع، وأفسد أخلاق المجتمع الصالح، وصار في زمرة أعراب الجاهلية، وهم فئة من أعراب البوادي قبل الإسلام ممن كانوا يعيشون في ظلام الجهل، وقد قويت فيهم هذه النزعة القبيحة، والسجية البشعة.

* مفاسد العصبية
يستفاد من الأحاديث الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة أن العصبية من المهلكات والباعثة على سوء العاقبة والخروج من عصمة الإيمان، وأنها من ذمائم أخلاق الشيطان. جاء في الكافي بسنده الصحيح، عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: "من تعصَّب أو تُعُصِّبَ له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه"(2). أي أن المتعصب بتعصبه يكون قد خرج من إيمانه، وأما المتعصَّب له، فبما أنه قد رضي بعمل المتعصِّب، يصبح شريكاً له في العقاب، كما جاء في الحديث الشريف: "ومن رضي بعمل قوم حُشِرَ معهم، أما إذا لم يرضَ به واستنكره فلن يكون منهم".

وعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: "من تعصب عصبه اللَّه بعصابة من النار"(3). فمن المعلوم أن الإيمان يتنافى مع مثل هذه السجية الممقوتة التي تدوس الحق والحقيقة، وتطأ بأقدام الجهل على الصدق والإستقامة. ولا شك في أن القلب إذا غطّاه صدأ حب الذات والأرحام والتعصب القومي الجاهلي، فلن يكون فيه مكان لنور الإيمان، ولا موضع للاختلاء مع اللَّه ذي الجلال تعالى. إن ذلك الإنسان الذي تظهر في قلبه تجليات نور الإيمان والمعرفة، ويطوق رقبته الحبل المتين والعروة الوثقى للإيمان، ويكون رهن الحقيقة والمعرفة، هو ذلك الإنسان الذي يلتزم بالقواعد الدينية وتكون ذمته مرهونة لدى القوانين العقلية، ويتحرك بأمر من العقل والشرع، دون أن يهز موقفه أيّ من عاداته وأخلاقه وما يأنس به من مألوفاته، فلا تحيد به عن الطريق المستقيم. إن الإنسان الذي يدعي الإسلام والإيمان هو ذلك الذي يستسلم للحقائق ويخضع لها، ويرى أهدافه، مهما عظمت، فانية في أهداف ولي نعمته، ويضحي بنفسه وبإرادته في سبيل إرادة مولاه الحقيقي. ومن الواضح أن مثل هذا الشخص لا يعرف العصبية الجاهلية، وأنه بري‏ء منها، ولا يتجه قلبه إلاّ إلى حيث الحقائق، ولا تغشي عينيه أستار العصبية الجاهلية السميكة، وأنه يطأ بقدميه في سبيل إعلاء كلمة الحق والإعلان عن الحقيقة على كل العلاقات والارتباطات، ويضحي بجميع الأقرباء والأحبة والعادات على أعتاب ولي النعم المطلق. وإذا تعارضت العصبية الإسلامية عنده مع العصبية الجاهلية، قدَّم الإسلام وحب الحقيقة. إن الإنسان العارف بالحقائق يعلم أن جميع العصبيات والارتباطات والعلاقات ليست سوى أمور عرضية زائلة، إلاّ تلك العلاقة بين الخالق والمخلوق، وتلك هي العصبية الحقيقية التي هي أمر ذاتي غير قابل للزوال، وهو أوثق من كل ارتباط، وأقوى من كل حسب وأسمى من كل نسب. فاعلم أيها العزيز أن هذه الخصلة الخبيثة، من الشيطان، وأنها من مغالطات ذلك الملعون ومعاييره الباطلة. إنه يغالط عن طريق هذا الحجاب السميك الذي يخفي عن النظر كل الحقائق، بل يظهر رذائل النفس كلّها محاسن، وجميع محاسن الآخرين رذائل.

وعليه، إذا عرف الإنسان العاقل أن هذه المفاسد ناشئة من تلك السجية الفاسدة، وأذعن للشهادة الصادقة المصدقة من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام بأن هذه الرذيلة تجر الإنسان إلى الهلاك وتدخله النار، فما عليه إلاّ أن يتصدى لعلاج نفسه من هذه السجية، وأن يطهر قلبه حتى من حبة خردل منها، حتى يكون طاهراً عند الانتقال من هذه الدنيا إلى العالم الآخر عند اقتراب أجله، فينتقل بنفس صافية. إن على الإنسان أن يدرك أن الفرصة محدودة والوقت قصير جداً، لأنه لا يعلم متى يحين موعد رحيله.


(1) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العصبية، ح‏3.
(2) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العصبية، ح‏2.
(3) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العصبية، ح‏4.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع