أحمد موسى دروبي
خلال ثلاثة وثلاثين يوماً، شنت القوات الإسرائيلية حرباً شرسةً على لبنان، ارتكبت فيها انتهاكات خطيرة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وأبرز صور وأشكال تلك الجرائم والانتهاكات يتجلى بالآتي:
* الإبادة الجماعية
انتهاك اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي أُقرت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول 1948: حيث عرَّفت المادة الثانية من هذه الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها: "إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً". كما اعتبرت المادة الأولى من نفس الاتفاقية أن "الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب هي جريمة بمقتضى القانون الدولي ويجب المعاقبة عليها". وهذا الوصف ينطبق على أعمال الحصار البري والقرصنة البحرية والجوية التي ارتكبتها إسرائيل طيلة فترة عدوانها الأخير على لبنان من أجل منع وصول الصليب الأحمر الدولي والمؤن والأدوية والمياه إلى السكان المحاصرين بهدف قتلهم وإبادتهم.
* استهداف المدنيين وممتلكاتهم
انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب: حيث نصت المواد 48 و50 و52 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف على أنه تُحظر الهجمات العشوائية، حيث تقتضي القاعدة الأساسية التمييز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين، وكذلك بين الأعيان ذات الطابع المدني والأهداف العسكرية. وهذا يخالف ما قامت به القوات الصهيونية من:
قتل وجرح الآلاف من المدنيين الأبرياء.
تهجير مئات الآلاف من المواطنين اللبنانيين من قراهم وأماكن سكنهم.
اختطاف واحتجاز العشرات من المواطنين المدنيين الأبرياء.
كما نصت المادة 53 من اتفاقية جنيف على أنه "يُحظر على القوة المحتلة تدمير الممتلكات الفعلية أو الشخصية المملوكة بشكل فردي أو جماعي للأفراد أو الدولة أو لأي سلطات عامة". وهذا الوصف بدوره يدين الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها القوات الصهيونية في عدوانها الأخير على لبنان، حيث أنها قامت بـ:
- تدمير وإحداث الضرر بعشرات الآلاف من الوحدات السكنية المنتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية.
- تدمير العديد من البنى التحتية (طرق وجسور منشآت صحية وخدماتية مصانع وورش إنتاجية) واستهداف القصف الجوي والبحري المُعادي لمطار بيروت الدولي ولمعظم المرافئ البحرية.
كما أن قيام القوات الصهيونية بزرع المئات من حقول الألغام وإسقاط ما لا يقل عن ثلاثة ملايين من القنابل العنقودية غير المنفجرة على الأراضي اللبنانية، والتي تُهدد حياة المواطنين اللبنانيين، إضافةً إلى حدوث الأضرار البيئية الناجمة عن تسرب المواد السامة والخطرة من محطات توليد الكهرباء وخزانات الوقود المتضررة من جراء قصف الطيران الصهيوني لها، كل ذلك يُعد انتهاكاً صارخاً إضافياً للقانون الإنساني الدولي، الذي ينص على ضرورة أن تبذل القوات المسلحة كل جهد ممكن لتجنب إنزال خسائر في الأرواح بين المدنيين، فالمادة 57 من وثيقة "منظمة العفو الدولية" التي تحمل الرقم 00 06 02 MDE تنص على ضرورة أن "تُبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية من أجل تفادي السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية".
* محاصرة الجرحى واستهداف المنشآت الطبية
انتهاك اتفاقية جنيف الأولى بشأن تحسين حال جرحى ومرضى القوات المسلحة في الميدان: حيث إن إسرائيل وقعت على هذه الاتفاقية في عام 1949، ولكن ومع ذلك، لم تقم باحترام تلك الاتفاقية، حيث ارتكبت في عدوانها الأخير على لبنان سلسلة من الانتهاكات الخطيرة لتلك الاتفاقية، كان أبرزها على الشكل التالي:
أ - تنص المادة 12 من هذه الاتفاقية على أنه "يجب احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة، ويُحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم، ويجب على الأخص عدم قتلهم أو تعذيبهم أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية". وبالنظر إلى الأحداث والتطورات الميدانية على الصعيد العسكري في أثناء فترة العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، نجد أن القوات الصهيونية قد قامت بفرض طوقٍ عسكري حول كل بلدة جنوبية وذلك ليس فقط من أجل قطع طرق الإمدادات العسكرية عنها، بل أيضاً من أجل محاصرة الجرحى من المدنيين والمقاتلين الموجودين في تلك القرى ومنع وصول الإسعافات لإنقاذهم وتركهم دون علاج بقصد الإبادة. وهذا ما حدث فعلاً مع قرية عيتا الشعب الجنوبية، حيث تم تطويقها من الجهات كافة، من قبل القوات الصهيونية، الأمر الذي منع وصول الإسعافات الطبية الضرورية إلى المصابين من المدنيين والمقاتلين المرابطين في تلك البلدة، مما أدى إلى استشهاد عددٍ منهم نتيجة النزيف الحاد الذي أصاب أجسادهم الطاهرة من جراء القصف الصهيوني العشوائي للبلدة، بل إن القوات الصهيونية قد عمدت أيضاً إلى اتخاذ بعض أجساد هؤلاء الشهداء كمتاريس أو كمصائد بشرية للإيقاع بالمجاهدين.
ب - تنص المادة 19 من نفس الاتفاقية على أنه "لا يجوز بأي حال الهجوم على المنشآت الثابتة والوحدات المتحركة التابعة للخدمات الطبية، بل تُحترم وتُحمى في جميع الأوقات بواسطة أطراف النزاع". لكن ومع ذلك، قامت القوات الصهيونية في أثناء عُدوانها الأخير على لبنان بقصف العديد من المنشآت الطبية (كالمستشفيات)، وبالتعرض لسيارات الإسعاف مانعةً إياها من القيام بواجبها بإسعاف المصابين. وهذا يُشكل انتهاكاً فاضحاً آخر للقانون الدولي. وهكذا، فإنه على الرغم من أن الاتفاقيات الدولية قد حددت بشكلٍ واضحٍ مفاهيم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفرضت العقوبات المناسبة لها، إلا أنه ولاعتبارات سياسية بقيت الكثير من الدول التي ارتكبت مثل هذه الجرائم ومنها إسرائيل خارج إطار الملاحقة بحجة أن تلك الدول ترتكب هذه الجرائم دفاعاً عن النفس أو بهدف القضاء على الإرهاب.
فهل يصح أن نُعطي للإنسانية مفهوماً سياسياً؟
خاصةً وأننا أصبحنا اليوم نعيش في عالمٍ تسوده في علاقاته الدولية سياسة ازدواجية المعايير أو الكيل بمكيالين، نظراً لسيطرة القطب الواحد أي الولايات المتحدة الأميركية على موازين القوى في العالم، وذلك على الأقل في الوقت الحاضر، الذي باتت ترتفع فيه الأصوات بين الحين والآخر للمطالبة بعالم متعدد الأقطاب تسوده العدالة الإنسانية.