لقد كنّا ذات يوم نحتل منزلة متدنّية جداً على المستويات كافة بين بلدان المنطقة والعالم، وعلاوة على ذلك فإن مسؤولي النظام السابق كانوا قد فتحوا أبواب البلاد على مصراعيها أمام تدخّل القوى الأجنبية دون أدنى شعور بالكرامة. كما كانوا يحتقرون هذا الشعب العظيم، ويسخرون منه في كل ما يبدر منهم من قول أو عمل، فجاءت الثورة المتفجّرة لتقلب الأوضاع رأساً على عقب. ولحسن الحظ، فإن أمارات التقدّم والتطوّر على الأصعدة كافة العلمية والاقتصادية والمعنوية والاجتماعية والدولية تثلج الصدور؛ طبقاً لآراء الخبراء والمختصّين المعنيين. وإنّ الشعارات التأسيسية للثورة الإسلامية تشدّ انتباه الشعوب والشباب والمثقفين في أنحاء العالم الإسلامي؛ وهو ما نلحظه بوضوح.
* أعداء الشعوب
إنّ مما لا ريب فيه أنّ لنا أعداءً على المستوى الدولي. فلماذا يضمرون لنا العداء؟ ومن هم؟ لقد بات ذلك من الوضوح بمكان، وكلّنا جميعاً نعرف من هم هؤلاء. إنهم أولئك الذين يطمعون في أن تعيش الشعوب تحت سيطرتهم، وأن يستولوا على ثرواتهم، من نفط ونحاس ويورانيوم، وطاقات بشرية، وأسواق تجارية. إنّ هناك قوى دولية تطمع في ثروات الآخرين، فعندما ترى هذه القوى دولة تمن عليهم بثرواتها، وتملك حق تقرير مصيرها بنفسها؛ فإن ذلك يغضب تلك القوى الغاشمة، فتضمر العداء. لقد وقف الأعداء صفّاً مرصوصاً في مواجهة الثورة الإسلامية منذ الشرارة الأولى لاندلاع الثورة، وكان ذلك متمثّلاً في الصهيونية العالمية والاستكبار الأمريكي، ومن لفّ لفّهم وحذا حذوهم.
* هزيمة الاستكبار
لكن أمريكا اليوم تختلف عما كانت عليه قبل عشر سنوات مضت، أو قبل خمس عشرة سنة. فعندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب بعد أحداث الكويت أنّ النظام العالمي الجديد قد بدأ، وأنّ أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، بمعنى أنّ الجميع لا بدّ وأن يخضع لسيطرة عمدة القرية العالمية، فإننا نجد اليوم أنّ ذلك العهد قد ولّى. إنّ الأمريكيين اليوم يتجرّعون مرارة الهزيمة في العراق وفي أفغانستان وفي لبنان وحتى في فلسطين، وكل هزيمة لها طعمها الخاص، فهزيمتهم في العراق غير هزيمتهم في فلسطين، حيث كانت أمريكا تطمح إلى تخليص الكيان الصهيوني من المواجهة مع أصحاب فلسطين الأصليين. لقد مُني الاستكبار وأذياله في المنطقة بالهزيمة الساحقة في هذه المسألة، كما كان نصيبهم الهزيمة في العراق بصورة أخرى، وفي لبنان بشكل مختلف في أحداث المواجهة مع حزب الله وما زالوا يصابون بالهزيمة بعد الأخرى.
* درس للعبرة
إنّ الصدق والشفافية والإخلاص، وشعارات العدالة والدفاع عن المحرومين والمستضعفين، دخلت إلى المنظومة المعرفية العالمية بصفتها أدبيات سياسية على يد المسلمين، والشعب الإيراني المؤمن. وبفضل هذا الجيل الواعي والحكيم والمتيقّظ، جيل شبابنا الأعزّاء، الذي يزداد نهضة وتقدّماً يوماً بعد آخر، سوف تجد جبهة الاستكبار نفسها مضطرّة للإنسحاب والتراجع. لقد كان هذا وضعنا منذ بداية الثورة ومازال، وهو المشهد الذي نراه أيضاً للمستقبل، وفي هذا درس لنا، وعبرة للأعداء، فإن عليهم أن يعتبروا ويتعلّموا، وعلينا أيضاً أن نستفيد من التجارب والدروس. إنّ الدرس الذي يجب علينا تعلّمه هو: اعتبار أنّ الجد والعمل هو الدواء الناجع لآلام الشعوب كافة، وأنّ العمل القائم على الإيمان والأمل هو علاج كل تلك الأدواء. إنّ الأمم العاطلة والمتراخية والمتكاسلة واليائسة، والتي تتجاهل قدراتها، وتثق في قدرات الآخرين، لا مكان لها في التاريخ.
* العودة إلى القيم
إنّ القرن الحادي والعشرين هو قرن تراجع سياسات وأساليب القرنين التاسع عشر والعشرين؛ وذلك لِما كان لهما من آثار على دول المنطقة، حيث تكرّست محاربة الدين، والاستيلاء على مقدّرات الشعوب، وبسط النفوذ الاستعماري.
إنّ الذي نستشرفه من القرائن هو: أنّ القرن الحادي والعشرين، والذي مضت منه عدة سنوات، هو قرن إزالة آثار ومخلّفات القرنين السابقين، فلا بدّ من القضاء على ظاهرة الاستعمار وتسلّط القوى العظمى على ثروات البلدان الأخرى. يجب أن يكون هذا القرن قرن استعادة الشعوب لهويتها وإنسانيتها، وفكّ طلاسم السيطرة والخضوع للقوة، كما يجب أن يكون هو قرن العودة إلى القيم المعنوية. إنهم يتحدّثون عن الألفية الثالثة بالكثير من الهراء، ويتكهّنون بتنبّؤات لا تستند إلى أي دليل علمي. ولكن إذا أراد المرء أن يتحّدث عن هذه الألفية من باب الحدس والتخمين فيمكن القول: إنها ألفية عودة الإنسان إلى ذاته. إنّ البشرية في هذا القرن ستعود إلى ذاتها، وستقف على معنى وقيمة القرب من الله تعالى. القرن الحالي هو قرن العودة إلى القيم المعنوية وقرن الاستقلال والهوية الوطنية بالنسبة للشعوب، ولقد كانت إيران في الطليعة. إنّ شعوباً أخرى كثيرة ستحذو حذو إيران، ولسوف تُمنى بالهزيمة كل قوة تسوّل لها نفسها مواجهة هذا المدّ البشري العظيم ولا سيّما القوى الاستكبارية.