مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الأسباب الغيبية في الوعد الصادق‏

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي‏

 



بالفرض المحال، لو ينزل القرآن اليوم، نظن أنّ القضية التي كان ليركّز عليها للاعتبار بها هي قضية المقاومة الإسلامية في لبنان. يذكرها ليعتبر بها المعاصرون والقادمون. "واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره" (الأنفال: 26)، يذكّركم بأنكم كنتم فئة ضئيلة تكاد الناس تتخطفكم كما تتخطف الباز الطريدة، فآواكم وأيدكم بنصره وخلق لكم مثل هذه العترة التي لا يوجد لها مثيل، وهذا أوّل الغيث الذي ستتحقق آثاره وتبعاته الجليلة المباركة يوماً فيوماً إن شاء اللَّه.

الأمور التي يتوقعها القرآن لا يعود نفعها إلى اللَّه، ولا إلى الملائكة في السماء، إنما نفعها يعود إلى أنفسنا.
يقول اللَّه تبارك وتعالى: "هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين، وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم، ولكن اللَّه ألف بينهم" (الأنفال: 62). ونحن نرى آثار هذه الآية الكريمة في مجتمعنا وفي قضايانا اليوم بشكل أوضح من الشمس. لقد حصدت المقاومة الإسلامية مودة خاصّة في قلوب الناس بشكل غير مسبوق. تبدل كثير من الأعداء مثلاً من البغضاء إلى الحب والمودّة "ألّف بين قلوبهم". لو كنّا ننفق مليارات الدولارات لأجل حصول بعض هذه المودّات في قلوب الناس، لم يكن ممكناً لنا تحصيل ذلك "لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفّت بين قلوبهم ولكن اللَّه ألّف بين قلوبهم". هذه النعمة العظيمة التي يُرجى منّا أن نحافظ عليها فلا نذرها تضيع، وكل النعم التي أنعمها اللَّه علينا في أبداننا، وأرواحنا، ونفوسنا، وأفرادنا، وأسرتنا، ومجتمعنا، كل هذه النعم إنما تبقى وتفيد إذا حافظنا عليها.
والذي يُرجى ثانياً منّا أن نستمر في إدامة أسباب هذا الانتصار.
نعم كان هذا الانتصار منّة عظيمة من اللَّه تعالى لكن النعمة الإلهية تابعة للحكمة "إن اللَّه عزيز حكيم".

فلا يضع نعمته في أي طاغٍ عادٍ، إنما يعطي نعمته لمن يستفيد منها ويحافظ عليها ليزداد بركة. "لئن شكرتم لأزيدنكم" فالأسباب التي تحققت في نفوسنا وفي مجتمعنا حتى منّ اللَّه تعالى علينا بهذه النعمة، أسباب مذكورة في الكتاب الحكيم وفي السنّة الشريفة، وفي كلمات أهل البيت عليهم السلام وفي كلمات مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة. يجب علينا التعرّف على هذه الأسباب والاستمرار بها حتى يستمر معلولها، ومن الأسباب التي يشير إليها القرآن الحكيم:

* الاستغاثة باللَّه
"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم، أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين" (الأنفال: 9). فأنتم تعرفون الحديث الوارد بشأن قضية بدر، حيث رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى اللَّه وقال: "إن تهلك هذه العصابة فلا تعبد بعد اليوم" فهذه الاستغاثة والتي يقال عنها استغاثة الأسباب، العامل الأساس للنجاح بعد الدعاء والتوسل وأنتم جربتم هذه الحقيقة في هذه الحرب. إن الموجب لنزول الملائكة، ونزول البركات والإمدادات الغيبيّة هي هذه التوسلات والأدعية والاستغاثة باللَّه تبارك وتعالى. فإذا عرفنا هذا الأمر وجب علينا الاستمرار به. في الأيام الثلاثة والثلاثين لحرب تموز 2006، أمدكم اللَّه تبارك وتعالى بإمدادات غيبية، نتيجة للتوسلات والاستغاثة باللَّه، والتوكل عليه والانقطاع إليه عن جميع الأسباب، بالقول: "حاجتي مصروفة إليك، وآمالي موقوفةٌ عليك لا أرجو تحققها إلاّ بيديك ولا اعتمد إلاّ عليك".

* الشكر على النعمة
إن استمرت هذه الحالة في الإنسان دامت البركات الإلهيّة أكثر فأكثر لأنه مصداق للشكر، والشكر يوجب ازدياد النعمة. فقد ذكر السيد القائد (حفظه اللَّه تعالى) في بعض خطاباته التي ألقيت مؤخراً أن الشكر يقتضي أولاً: معرفة النعمة التوجه إلى حصول النعمة فإن غفلة الإنسان توجب نسيانه للنعم، وقد أشار أمير المؤمنين (سلام اللَّه عليه) في نهج البلاغة، أن من وظائف الأنبياء التذكير بالنعم المنسيّة (ويذكروهم منسيّ نعمته). الأمرٌ يحتاج إلى التوجه لوجود النعمة، ثم إلى ولي النعمة، وصدور هذه النعمة منه، لا أن نحسبه صدفة، لا يقع شي‏ء في هذا العالم صدفة، كلها تابعة لتأثير اللَّه وقضائه وقدره.
"يا من لا يدبّر الأمر إلاّ هو"، بعد التوجه إلى نزول النعمة من اللَّه تعالى وانتسابها إلينا، يقتصر علينا القيام بالشكر بأفضل ما يكون لأن أكبر الكفر الكفران بالنعمة، وتركها تضيع "لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إبتليتم بالكفران إنّ عذابي لشديد" (إبراهيم: 7).

* الاستفادة من النعمة
ثم بعد المحافظة على النعمة نأتي إلى الأعمال الايجابية وأولها: الشكر باللسان ثم الاستفادة من النعمة على نحوٍ يرضاه المنعم ثم إيصالها إلى الآخرين، فإنها أمانة في أيدينا. هذه هي واجباتنا تجاه النعمة التي امتنَّ اللَّه بها علينا ولا يحتاج إثبات هذه الأمور إلى أدلّة تعبديّة نقليّة، يكفي لإثبات هذه الحقائق التأمل البسيط، فضلاً عمّا ورد في الآيات والروايات، بشأن هذه الأمور.

* الولاية
أن النصر الذي حققه حزب اللَّه والنجاحات التي حصلت له، شيئاً فشيئاً، كانت مرهونة إلى حد كبير بأمر الولاية، فلولا معرفة ولي أمر المسلمين ومودته والعشق له، ما كانت لتحصل هذه الفعاليات الإيجابية، كما نشاهد عند آخرين غير متمتعين بنعمة الولاية. ففي أفغانستان مثلاً، تعرفون أنهم جاهدوا كثيراً وتحملوا مصائب كثيرة لكن إلى أي شي‏ء انتهى الأمر؟ إلى قتل الإخوان بعضهم البعض، لأي شي‏ء؟ لأنهم لم يكن لهم ولي الأمر الذي يتعيّن العمل بأمره. كانت الآراء مشتتة، فانتهى الأمر إلى تقاتل المجاهدين فيما بينهم حتّى تسلّط عليهم الاستكبار العالمي بهذا الشكل الفاضح... فثورتنا الإسلامية في إيران، مثل انتصاركم في هذه الحرب العظيمة، مرهونة إلى حد كبير باعتقادنا بالولاية لولي أمر المسلمين ووجوب إطاعته. ورد في الزيارة المشهورة من الجامعة الكبيرة "بموالاتكم علّمنا اللَّه معالم ديننا، وأصلح ما كان فسد من دنيانا، وبموالاتكم عظمت النعمة، وإئتلفت الفرقة". نسأل اللَّه تعالى أن يمد ظل ولي أمر المسلمين، ويمتعنا به وجميع المسلمين أكثر فأكثر، وأن يجعلنا اللَّه من الشاكرين لهذه النعمة، ويوفقنا لأداء حقّه علينا، ولأداء حق الولاية، وحق الأئمة الأطهار، وحق النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي سُمّي عامنا هذا باسمه المبارك، حسب ما سماه سيدنا القائد (حفظه اللَّه تعالى).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع