نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح الله‏: الحرية.. قبل فوات الأوان‏


ما دام الإنسان يرزح في قيود النفس والشهوات، وما دامت سلاسل الشهوة والغضب الطويلة على رقبته، لا يستطيع أن يبلغ المقامات المعنوية والروحانية، ولا تظهر فيه السلطة الباطنية للنفس وإرادتها الثاقبة، ولا يحصل له مقام استقلال النفس وعزّتها، الذي هو أرقى مقام لكمال الروح، بل إن هذا الأسر والرق يقيِّده ولا يسمح له بالتمرّد على النفس في جميع الأحوال.

ولما قويت هيمنة النفس الأمارة والشيطان في الباطن، وانقادت القوى جميعها لهما في العبودية والطاعة وأبدت لهما الخضوع والتسليم التامّين، لما اقتصرتا على المعاصي بل دفعتا بالإنسان من المعاصي الصغيرة رويداً رويداً إلى المعاصي الكبيرة، ومنها إلى ضعف في العقائد ثم إلى الأفكار المظلمة ثم إلى الطريق المغلق للجحود ثم إلى بغض وعداوة الأنبياء والأولياء. وحيث إن النفس مضطهدة وتعيش حالة الرق، لا تستطيع أن تخرج على رغباتها. وعليه تكون عاقبة أمر الطاعة والتقيّد للنفس الأمارة وخيمة جداً، وستدفع بالإنسان إلى أماكن خطيرة ومخيفة.
 

إن الإنسان العاقل الرؤوف بنفسه لا بد له من السعي واللجوء إلى كل سبيل لإنفاذ نفسه من الأسر، والنهوض أمام النفس الأمارة والشيطان الباطني، ما دامت الفرصة سانحة، وقواه الجسدية سالمة وما دام أنه على قيد الحياة وفي صحة موفورة وفتوة موجودة وأن قواه لم تتسخر كلياً. ثم يراقب حياته فترة من الوقت، ويتأمل في أحوال نفسه وأحوال الماضين، ويتمعن في سوء عاقبة بعضهم، ويُفهم نفسه أن هذه الأيام القليلة تبلى، ويوقظ قلبه ويفهمه الحقيقة التالية المنقولة عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم حيث خاطبنا قائلاً: "الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخرةِ"(1) فلو أننا لم نزرع في هذه الأيام المعدودة، ولم نعمل عملاً صالحاً، لفاتتنا الفرصة. وإذا غشينا الموت، وحلّ العالم الآخر، لانقطعت أعمالنا جميعاً وذهبت آمالنا نهائياً. وإذا جاء ملك الموت ونحن لا نزال عبيد الشهوات وأسارى قيود أهواء النفس المتشعبة والعياذ بالله لكان من الممكن للشيطان أن يسرق إيماننا الذي هو غايته القصوى وأن يحتال ويتراءى أمام قلبنا بصورة نخرج من الدنيا ونحن أعداء الحق المتعالي والأنبياء والأولياء. والله سبحانه يعرف ماذا وراء هذا الحجاب من الشقاوات والظلمات والوحشة.

فيا أيتها النفس الدنيئة ويا أيها القلب الساهي استيقظا وانهضا أمام هذا العدو الذي ألجمكما منذ سنين وربطكما بأغلال الأسر وقادكما إلى كل جهة حيث يريد، ودفع بكما إلى كل عمل قبيح وسلوك بشع وأجبركما عليه. وحطِّما هذه القيود، وكسِّرا هذه السلاسل. وكن أيها الإنسان حراً، وادفع عن نفسك الذل والهوان، وضع في رقبتك طوق العبودية للحق جلّ جلاله حتى تتحرر من كل عبودية وترقى إلى السلطة الإلهية في العالمين. أيها العزيز، على الرغم من أن هذا العالم ليس بدار الجزاء والمكافأة وليس بمحل لظهور سلطة الحق المتعالي، وإنما هو سجن المؤمن، فلو تحررت من أسر النفس، وأصبحت عبداً للحق المتعالي، وجعلت القلب موحداً، وأجليت مرآة روحك من غبار النفاق والإثنينية، وأرسلت قلبك إلى النقطة المركزية للكمال المطلق، لشاهدت بعينك آثار ذلك في هذا العالم، ولتوسع قلبك بقدر يغدو محلاً لظهور السلطنة التامة الإلهية حيث تصير مساحتها أوسع من جميع العوالم "لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن"(2) ولشعرت غنى واضحاً في النفس، حيث لم تعبأ بكل العوامل الغيبية والمادية، ولأصبحت إرادتك قوية.

****


(1) إحياء علوم الدين للغزالي، المجلد الرابع، ص‏14. كنوز الحقائق (المطبوع على هامش كتاب الجامع الصغير) ج‏1 ص‏133.
(2) غوالي اللآلي، المجلد الرابع، ص‏7.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع