نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات‏: مناسبات الآيات‏: الحرب على "الإرهاب" أم على "الإبراهيمية"!؟

الشيخ عمار حمادة

 



روى(1) ابن عباس، وهو من الرواة المفسِّرين، أنَّه لمَّا هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة بأمرٍ من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإثر انتهاء حرب بدر الكبرى، اجتمعت قريش في دار الندوة للتداول في كيفية مواجهة المسلمين، فقام أحد أهل الرأي منهم وقال: إنَّ لنا في أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين هم عند النجاشي ملك الحبشة ثأراً عمَّن قتل منَّا ببدر، فنجمع مالاً ونهديه إليه لعلَّه يدفعهم إلينا فنقتلهم.

أقر القومُ رأيه وانتدبوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط إلى الحبشة وحمَّلوهما الهدايا والأموال إلى مليكها. فركبا البحر ودخلوا عليه سجَّداً وسلَّما عليه سلام التعظيم للملوك وقالا له:
إنَّ قومنا لك ناصحون وقد بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذي يتبعون رجلاً كذاباً (والعياذ باللَّه) خرج فينا يزعم أنَّه رسول اللَّه، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم...
فاستدعى النجاشي جعفراً وأصحابه، فلما حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزب اللَّه.
فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان اللَّه وذمته‏
فوقف عمرو وتوجَّه إلى النجاشي قائلاً: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ويحيُّوك؟
فسأل النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بتحية الملوك؟ فردَّوا عليه: نحن إنما نسجد للَّه الذي خلقك وأعطاك ملكك، وقد كانت لنا تلك التحية عندما كنا نعبد الأوثان، فبعث اللَّه فينا نبياً صادقاً وأمرنا بتحية السلام وهي تحية أهل الجنة.
فقام النجاشي وقال لعمرو: إذاً فما تطلبون منهم؟
أجابه عمرو متماكراً: كنَّا وإياهم على دين واحد فتركوه واتبعوا غيره.
فسأل النجاشي جعفراً: أصدقني، ما هذا الدين الذي اتبعتموه؟
أجاب جعفر: أما الذي كنَّا عليه فهو دين الشيطان فتركناه، وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به رسول من اللَّه وجاء منه بكتاب مثل كتاب ابن مريم وموافق له.
فقال النجاشي: على رسلك يا جعفر فقد تكلمت بأمرٍ عظيم.
ثم أمر بضرب النواقيس، فاجتمع القساوسة والرهبان فسألهم: أنشدكم باللَّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام هل تجدون بين عيسى والقيامة نبياً مرسلاً؟
فقالوا: اللهم نعم، فقد بشَّرنا به عيسى وقال من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي.
تهللت عينا النجاشي فرحاً وسأل جعفراً: ماذا يقول لكم نبيكم وبماذا يأمركم؟
فأجابه: يقرأ علينا كتاب اللَّه ويأمرنا أن نعبد اللَّه وحده لا شريك له ويدعونا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم.
فطلب إليه النجاشي أن يقرأ له شيئاً مما كان يقرأه عليهم، فتلا عليه سورتي العنكبوت والروم، ففاضت عيناه تأثراً.
قام عمرو لاستدراك الوضع محاولاً الوقيعة بينهما فقال: يا ملك الملوك إنَّهم يتعرضون لمريم أم عيسى بالسوء من القول.
فقرأ جعفر عليه سورة مريم، فقام النجاشي وقال بأعلى صوته: واللَّه ما زاد المسيح على ما تقولون، إذهبوا فأنتم آمنون في مملكتي.
ثم قام برد الأموال والهدايا على عمرو وصاحبه. وصاح بقومه معلناً: لا دهورة اليوم على حزب إبراهيم، فسأله قومه: ومن حزب إبراهيم؟
فقال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن اتبعه.
في المدينة يومها، أنزل اللَّه على رسوله ما يصدِّق مقولة النجاشي: بسم اللَّه الرحمن الرحيم.
"ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين *إنَّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا واللَّه ولي المؤمنين" (آل عمران: 67 - 68) صدق اللَّه العلي العظيم.

* تفسير الآيات(2)
جاءت الآيتان في معرض تفسير إحداهما الأخرى، وفيهما بيان لحقيقة ادعاء الانتساب إلى الإبراهيمية أو الحنيفية. وفي الأولى تصريح بعدم انتساب اليهود والنصارى ولا المشركين لإبراهيم مما يلفت إلى دعوة القرآن إلى إعلان ذلك لهؤلاء.
فالقرآن يؤكد أنَّ إبراهيم كان مسلماً، وأتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم الأقرب إليه، لأن الأقرب إلى إبراهيم هم الذين يشاركونه في اتباع الدين الحق وفي التلبس بالحنفية للَّه وليس الذين يكفرون بآيات اللَّه ويلبسون الحق بالباطل ليمنعوا الناس من اتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. وفي قوله تعالى: "للَّذين اتبعوه" تعريض بأهل الكتاب على نحو الكناية، أي أنَّهم ليسوا بأولى بإبراهيم لعدم اتباعهم إياه في إسلامه للَّه.
وقد ورد عن الصادق عليه السلام في قوله: "ما كان إبراهيم يهودياً..." أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يهودياً يصلي إلى المغرب ولا نصرانياً يصلي إلى المشرق لكن كان حنيفاً مسلماً على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك في قوله تعالى: "إنَّ أولى الناس بإبراهيم..." قال: إنَّ أولى الناس بالأنبياء عليه السلام أعملهم بما جاؤوا به، فإنَّ ولي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أطاع اللَّه وإن بعدت لحمته وإنَّ عدوَّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عصى اللَّه وإن قربت لحمته.

* المستفاد من قصة النزول‏
القصة التي ذكرناها، وإن لم يعتبرها المفسرون من مناسبات النزول، إلا أنَّها قصة رافقت نزول الآيات زماناً ولها ارتباط موضوعي بها.
ففي سياق المحاجَّة القائمة بين المسلمين وأهل الكتاب حول الانتساب إلى الإبراهيمية، جاءت القصة لتبين أن الإبراهيمية، التي هي ذلك الخط المتصل الذي يجمع الديانات السماوية الحقة والذي يُذعنُ الوجدان لأحقيته، ليست إدعاءً بل هي اتباع وحقيقة جوهرية. وكما أنها ميزان للحق فقد تتحول إلى سبب لنزع الشرعية عن طرف معين من خلال المكر والإعلام، كما شاهدنا عمرواً يحاول الوقيعة بين النجاشي والمهاجرين من المسلمين، ومن خلال الإدعاء الفارغ من المضمون.
فإذا قمنا بصياغة الدعويين المتقابلتين بصياغة معاصرة، أي بتفسيرهما على النحو المتماشي مع المخاصمة الجارية في عالم اليوم، فإننا نستطيع أن نعرف رأي القرآن فيما هو الحق وما هو الباطل.
ففي هذه الأيام، لجأ بعض أهل الإسلام فراراً من ظلم حكامهم وفقر بلادهم وخطر الصهيونية على مستقبل أبنائهم إلى بلاد الغرب، فلحقهم من يروج في تلك البلاد لمقولة أنَّهم إرهابيون يجب التخلص منهم وبرابرة ينتسبون إلى الإنسانية زوراً ومعقدون يريدون تدمير كل العالم المتحضر.
في حين أنَّ حقيقة الوضع أن نفس هؤلاء، من الصهاينة ومن عملاء لهم في المجتمعات الإسلامية ممن يدَّعي التحضُّر والأكاديمية، لا يقيمون وزناً للقوانين وللمشاعر الإنسانية عندما يتعلق الأمر بمصالحهم ويغيرون بطائراتهم على الأبرياء ويقتلون استباقاً وعلى أساس الظن والشبهة ويستحلون الحرمات على اختلافها.
في الواقع، إن الشريك في الجريمة مع هؤلاء هو تلك الأذن الصمَّاء الموجودة في الأمم المتحدة وفي المفوضية الأوروبية وحتى في الفاتيكان الذي أتحفنا مؤخراً أحد باباواته بصرعة تناقض الإسلام مع العقل وانتشاره بقوة السيف ليؤكد انخراط الكنيسة في هذه الحرب على الإبراهيمية الحقيقية التي لا تسمع دوي طائراتهم فيما تلتقط دبيب النمل حين يتعلق الأمر بشي‏ء يتعلق باتهام المسلمين بالإرهاب والبربرية.
أمتنا الإسلامية اليوم لا سيما ذلك الرهط المهاجر مقابل إسرائيل تعيش مأزق جعفر وأصحابه مع عمرو ولم تنعم بنجاشي واحد حين الاحتكام إلى الأمم المتحدة أو المفوضية الأوروبية أو الفاتيكان أو أي مرجع قضائي غربي آخر.
فهل أبقى ذلك الصمم إلا صداماً، أرادوه بين الحضارات، ولكنه بين الإبراهيمية المعاصرة المدعاة والإبراهيمية الحقيقية التي تحرسها الروح السامية لذلك النبي العظيم الذي كان أمة في رجل؟
 


(1) الميزان، ج‏3، ص‏246 (بتصرف).
(2) الميزان، ج‏3، ص‏253.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع