مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف نخطّط لإنفاق سليم؟

زينب فهدا

 



عن الإمام الصادق عليه السلام: "المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً..."(1). يجاهد الإنسان نفسه في مسألة الإنفاق للوصول إلى الدرجة التي يرتضيها الباري عزَّ وجلَّ، وتحقّق التوازن في نفسه. ولهذا نجد في القرآن الكريم كمّاً هائلاً من الآيات التي تحثّ حثّاً شديداً على حُسن الإنفاق، وعدم التبذير. أمّا ما هي الإرشادات القرآنيّة في ذلك، فهي ما سنتعرّف إليه في هذا المقال.

•لا إفراط ولا تفريط
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "دع الإسراف مقتصداً، واذكر في اليوم غداً، وأمسك من المال بقدر ضرورتك، وقدّم الفضل ليوم حاجتك"(2). فالمال لا يشكّل ظاهرة اقتصاديّة فحسب، بل هو ظاهرة اجتماعيّة ونفسيّــــــة تعمـــــل عملها على مستوى الفرد والمجتمع، لذلك يحتلّ حفظ المال عنايةً في المنظومة التشريعيّة عموماً، وفي البناء الاقتصاديّ خصوصاً. فقد حثّ الإسلام على الإنفـاق وعدم إضاعة الأموال، ضمن شروط ومعايير خارج حدَّي الإسراف أو التقتير، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ (الفرقان: 67). فكيف يمكن للإنسان أن يرسم خطوات عمليّة يدبّر من خلالها عمليّة إنفاقه ويحسنها، فتصبح بذلك نهجاً مرافقاً له طيلة مسيرته الحياتيّة؟

•خطوات الإنفاق السليم
أوّلاً: الادّخار
إنّ احتفاظ الفرد بجزء من المال الفائض عمّا أنفقه أو استهلكه، هو ادّخار للمستقبل. وبعبارةٍ أخرى: هو امتناع الفرد عن الإنفاق في الوقت الحاضر رغبةً في الإنفاق في المستقبل(3). فادّخار قدرٍ من المال بشكلٍ اعتياديّ ومستمرّ، يوميّاً أو أسبوعيّاً، ولو كان قليلاً، من شأنه أن يولّد شعوراً بالثقة بالنفس وإحساساً بالإنجاز، والقدرة على مواجهة الأحداث الطارئة غير المتوقّعة(4)، والتحرّر اقتصاديّاً من الديون. عن الإمام الرضا عليه السلام: "إنَّ الإنسانَ إذا أدخل -أي ادّخر- طَعامَ سَنَةٍ؛ خَفَّ ظَهرُهُ وَاستَراحَ"(5).

وهذا السلوك الادّخاريّ مارسه نبيّ الله يوسف عليه السلام من أجل مكافحة الجفاف أيّام الجدب ومواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي ستحلّ بمصر في المستقبل: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ (يوسف: 47). فقد أشار عليه السلام إلى أهميّة تلك السنين السبع الخصاب، وأَمَرهم أن يأكلوا مّما يحتاجون إليه من غير إسراف، ويدّخروا ما تبقّى ولو كان قليلاً، والاحتفاظ به لحين الحاجة إليه.

ثانياً: ضبط الميزانيّة
الميزانيّة هي خطّة لضبط وتحديد طريقة استعمال الدخل الماليّ في فترة محدَّدة، سنويَّة أو شهريَّة أو أسبوعيَّة، فليس المهمّ أن تحصل على المال، ولكن الأهمّ هو كيفيّة المحافظة على المال الذي تحصل عليه، ومعرفة كيفيّة إنفاقه بحكمة وتدبير(6). لذلك عندما سُئل أحد الأغنياء عن كيفيّة جمعه لثروته الضخمة، أجاب: "بقلّة المصاريف، وضبطها، وحُسن تدبيرها". ويمكن اعتماد هذه السياسة من خلال إجراءات عدّة، منها:
1- تحديد المدخول الماديّ: سواء كان من راتب شهريّ، أو مكافأة سنويّة، أو ميراث، أو عقار، أو مساعدات...

2- تدوين النفقات: عبر تخصيص دفترٍ للحسابات الماليّة يُبيّن المدخول والنفقات بأشكالها المختلفة: فواتير، تأمين، مدارس، طبابة، أقساط، ترفيه وعطل... إلخ. ومن المهم ألّا يزيد المصروف عن المدخول.

3- المتابعة والمراقبة: لا بدّ من تحديد شخص من الزوجين لمراقبة النفقات ومتابعة الإيرادات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ضمنتُ لمن اقتصد ألّا يفتقر"(7).

4- تحديد الأولويّات: هي من الأمور التي تقلّل من النفقات وتضبطها وتنظّم كيفيّة التعامل معها، وهذا لا يحصل إلّا بتحديد الأشياء الأكثر أهميّة، وبشراء الأشياء الضروريّة فقط والاستغناء عن الأشياء غير المهمّة. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صلاح العيش التدبير"(8).

ثالثاً: ترشيد الاستهلاك:
وهو ما يُعبّر عنه بالاستخدام الأمثل للموارد؛ أي استهلاك ما يتوافر من موارد مختلفة بشكلٍ نافع واقتصاديّ ومفيد، بحيث يُستفاد من هذه الموارد بأقصى درجةٍ ممكنة. فقد يسيء بعضهم استهلاك الماء فيترك صنابير المياه غير محكمة الإقفال، كذلك في استهلاك الكهرباء وغيرها من الموارد... الأمر الذي يسبّب تسديد فواتير مرتفعة القيمة؛ نتيجة الهدر. عن الإمام السجّاد عليه السلام: "حسن التدبير ينمّي قليل المال"(9).

ويمكن للعائلة ممارسة الترشيد بطرق عدّة، منها:
أ- إطفاء المصابيح الكهربائيّة في الغرف التي لا تُستعمل، واستخدام الإضاءة الطبيعيّة نهاراً، وعدم إضاءة الكهرباء لفترة طويلة، وكذلك الترشيد بالغذاء من خلال عدم شراء السلع الغذائيّة بكميّات كبيرة لا تحتاج إليها الأسرة، لكي لا تفسد بعد فترة من الزمن، وقد كان الإمام السجّاد عليه السلام يدعو إلى ذلك بقوله: "وقوّمني بالبذل والاقتصاد، وعلّمني حُسن التقدير، واقبضني بلطفكَ عن التبذير"(10).

ب- بيع الملابس الفائضة عن الحاجة أو التبرّع بها، والابتعاد عن شراء الملابس الخاضعة للموضة، والتي لا يمكن الاستفادة منها لوقت أطول، واستخدام ملابس الأخ الأكبر للأخ الأصغر... وهكذا، مع إمكانيّة تجديد مظهر الملابس القديمة، فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يصف المتّقين بأنّ "ملبسهم الاقتصاد".

ج- توفير ما يُدفع من خدمات قد يستطيع الفرد تنفيذها في البيت، مثل غسل وكيّ الملابس، وتحضير المخلّلات والمربَّيَات والأجبان، وتنظيف المنزل بدلاً من الاستعانة بالخادمات. يقول الإمام القائد الخامنئيّ دام ظله: "أيّتها السيّدات المؤمنات، لا تَسعَينَ وراء الترف والكماليّات، أنتُنّ بالتأكيد لستنّ كذلك، ولكن أسمع أحياناً أخباراً من هنا وهناك. إنّ تبديل اللباس الفلانيّ طبق الموضة الفلانيّة، أو تغيير زخارف المنزل، ورمي مسؤوليّة تأمين المصروف على الرجل، ليس مدعاةً للافتخار"(11).

رابعاً: التسوّق الذكيّ
هو التسوّق بتدبير وحكمة وذكاء على ضوء ميزانيّة محدودة لأنواع السلع التي يمكن شراؤها، وذلك من خلال تنفيذ قواعد ثلاث:

الأولى: التمييز بين (ماذا نريد وماذا نحتاج)، والاكتفاء بالطلبات الضروريّة والمفيدة، والاستغناء عن غيرها من الموادّ غير المفيدة، بل الضارّة كالدخان، والنرجيلة، والمشروبات الغازيّة.

الثانية: شراء ما يلزم من نوعيّة جيّدة، وسعر رخيص، مضافاً إلى مراقبة تاريخ صلاحيّة المواد عند الشراء ومقارنة وزن السلعة بسعرها، فأحياناً الحجم الأكبر يكون بقيمة حجم عبوة ونصف فقط، لكنّه ضعفها في الثمن، وهذا ليس توفيراً.

الثالثة: التسوّق بشكلٍ شهريّ، وتجنّب الشراء اليوميّ للحاجات المنزليّة، كالسكر، والأرز والزيت؛ لأنّ ذلك يوفّر الوقت والمال. ولكي يكون التسوّق مجدياً، يجب تحديد الاحتياجات على ورقة وتحديد القيمة الماليّة المتوقّعة(12).

•خطوات تدبيريّة لحُسن العيش
1- زيارة بقالات أو مخازن غذائيّة عدّة؛ لكي تتعرّف على أرخصها سعراً.

2- استثمار موسم التخفيضات، إذ غالباً ما تقوم المحالّ التجاريّة ومراكز التسوّق بالتخفيضات والحسومات، للتنافس في الأسعار.

3- التزوّد بالمبلغ الذي تحتاج إليه من المال للتسوّق دون زيادة، حتّى لا تقع ضحيّة واجهات المحلّات اللافتة.

4- تجنّب شراء المواد الغذائيّة عندما تكون جائعاً أو متعباً أو غاضباً؛ لأنّك سوف تقوم بشراء موادّ غذائيّة أكبر، ولا قيمة لها.

5- توعية الأطفال منذ الصغر على ضرورة المساعدة في الميزانيّة بعدم الإسراف في المطالب، ولا سيّما أنّ تدليل الأطفال بشراء حلويات غير لازمة أو ألعاب غير ضروريّة، يعدّ من أسباب هدر الموارد الماليّة داخل الأسر(13).

6- التقليل من تناول الأطعمة من الخارج، وإعداد وجبة الإفطار أو الغداء في المنزل، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "خيرُ نسائِكُم الطيّبة الريح، الطيّبة الطبيخ، التي إذا أنفقتْ أنفقَتْ بمعروفٍ، وإنْ أمسَكَتْ أمسكَتْ بمعروفٍ"(14).

7- استخدام وسائل الاتصال الأقلّ كلفةً من المكالمات الهاتفيّة، كالواتس أب مثلاً.

8- التمتّع بمشاهدة الطبيعة أو الذهاب إلى ساحل البحر من أجل متعة مجّانيّة.

9- البحث عن طرق وبدائل للتنقّل غير السيّارة الخاصّة، كالمشي، أو الدراجة الهوائيّة، أو استخدام المواصلات العامّة.

•نحو خطّة مدروسة
إنّ خطّة ماليّة مدروسة كهذه، كفيلة بضمان حياة اقتصاديّة واجتماعيّة سليمة. فلنبدأ جميعاً بتغيير عقليّة الإنفاق العشوائيّة.


1.مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج13، ص52.
2.نهج البلاغة، الرسالة (21).
3.يراجع: الادخار في الفقه المالي الإسلامي، إسماعيل البريشي، ج12، ص355.
4.يراجع: سيكولوجيا المال، أكرم زيدان، ص171.
5.الكافي، الكليني، ج5، ص89.
6.يراجع: الاقتصاد المنزلي، سامية عبد القادر، ص16.
7.الكافي، (م.س)، ج4، ص55.
8.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج20، ص51.
9.بحار الأنوار، المجلسي، ج75، ص12.
10.الصحيفة السجادية، دعاء الإمام في قضاء الدين، ص125.
11.كلمة السيد القائد في أهمية وضرورة حسن الإدارة الأسرية.
12.يراجع: الأسرة وتحديات العصر، أمل القطان، ص114.
13.يراجع: التخطيط المالي للأطفال والشباب، سليمان الشحومي، ص63.
14.عوالي اللآلي، الإحسائي، ج3، ص293.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع