مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

رحل العالِم المربّي

مقابلة مع سماحة الشيخ مالك وهبي(*)

 



رحل العالِمُ المخلص
رحل العالِمُ الحنون الطيّب
رحل الذي حمل همَّ الرسالة والرساليّين
رحل الذي بثّ في الأمّة نبضاً جميلاً من الأخلاق والدعاء وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام
رحل الأستاذ المحبّ، والذي ما رأيتُ منه خلال كلّ سنيّ معرفتي به إلّا الحبّ والعطف والنُّصح والإرشاد
حقّاً سيترك رحيله ثلمة لن يسدّها شيء
هكذا هم العلماء الكبار...
رحـــل سماحــــة العلّامة المجاهد الناصر للحقّ المربّي الأستاذ الشيخ حسين كوراني
رحمك الله يا أبا علاء


كان ذلك بعض ما جاء في نعي سماحة الشيخ مالك وهبي للراحل الكبير. ونحن إذ ننقل كلام سماحته نطمع ببعض التفصيل لما جاء في كلماته الراثية، علّنا نضيف إلى ذاكرتنا مزيداً من صوَر العطاء الثرّ الذي ملأ الأرجاء.

•متى وأين تعرّفتم إلى سماحة الشيخ حسين كوراني؟ وكيف كانت لقاءاتكم معه؟
سافرتُ إلى قم سنة 1980م، وكنّا مجموعة إخوة من بيننا الشهيدان الشيخ محمّد رملاوي والشيخ أنيس جابر رحمها الله، فتعرّفنا هناك إلى الشيخ حسين، ووجدنا منه كلّ الاحتضان، والحبّ، والحنان.

كلّ لقاءاتنا معه كانت دروساً، وإرشاداً، واستفادةً، وتوعيةً، حيث إنّ جزءاً من شخصيّتنا تمّ تبلورها على يده، من خلال المواضيع التي كان يطرحها، سواء السياسيّة، أو ما له علاقة بالإمام الخمينيّ قدس سره وأهل البيت عليهم السلام.

•كيف كانت علاقة سماحته رحمه الله بالإمام الخمينيّ قدس سره وولاية الفقيه؟
لقد سلك سماحة الشيخ رحمه الله طريق الذوبان في الإمام الخمينيّ قدس سره، كما دعا الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، في ولاية الفقيه عموماً، لدرجة أنّه في كثير من الموارد التزم عمليّاً بالولاية والتكليف على حساب أفكاره وآرائه. وهو كان ينتقل من ذوبان إلى ذوبان؛ فكلّما سما في عالم السلوك والأخلاق والأذكار، تجده يزداد درجةً في الذوبان في ولاية الفقيه، وكان يعتبر أنّ علاقتنا العمليّة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تمرّ عبر هذا الفقيه الكفؤ الوليّ، الإمام الخمينيّ قدس سره أوّلاً، والسيّد القائد دام ظله ثانياً، وفي لبنان سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله).
كما أنّه كان يملك وعياً سياسيّاً، واهتماماً بالساحة، وما كان يرضى أن يكون مجرّد جليس حوزة، وكان يعتبر أنّ هناك مسؤوليّات كبرى، وهذه المسؤوليّة عنده قويت إلى درجة أنّه قرّر أن يرجع إلى لبنان.
إنّ سماحة الشيخ رحمه الله لم ينفتح على العالَم الأخلاقيّ إلّا بعد انتصار الثورة، من خلال الإمام الخمينيّ قدس سره الذي جمع بين العرفان، والسياسة، والجهاد، والعلم، فانجذب سماحته نحو هذا العالَم والفكر، وترجمه بالسلوك الشخصيّ؛ لأنّه ما من قيمة للتأثير النظريّ إن لم يُترجم عمليّاً وسلوكيّاً، وهذا أهمّ ما في عالم الأخلاق.

•هل تتذكّرون ملامح ما ظهر من هذا السلوك على سماحة الشيخ حينها؟
كما هي الحال بالنسبة إلى الشيخ بهجت والإمام الخمينيّ قدس سره. لقد تأثّر سماحة الشيخ جدّاً بالمدرسة الأخلاقيّة المستمدّة ممّا ورد عن أهل البيت عليهم السلام، والعمل بآثارهم، من الأدعية الواردة عنهم في المناسبات، والزيارات، والأذكار، والتسبيحات. لهذا كان رحمه الله شديد التأثّر بالسيّد ابن طاووس صاحب (إقبال الأعمال)، وكان يعتمده كثيراً ويخطو خطواته.
وكان إذا ما توجّه إلينا بنصيحة، من ذكرٍ أو ما شابه، كُن متأكّداً أنّه قد عمل به، وعندما ينصح بمستحبّ، تأكَّدْ أنّه يمارسه، ولا يخطر ببالي أبداً أنّه كان ينصح بشيء وهو نفسه لا يطبّقه. فسماحة الشيخ كان صادقاً، وهذه الكلمة تليق به فعلاً.

•قلتم في نعيكم لسماحة الشيخ: "رحل العالم المخلص"، كيف تجلّى لكم إخلاصه حتّى شهدتم له بذلك؟
كان سماحة الشيخ مضحّياً. فعندما جاء إلى لبنان، كان قد ترك حياةً رغيدة في إيران، ولم يفكّر في المصالح الشخصيّة التي كان من الممكن أن ينالها لو بقي هناك، من إمكانيّات ومواقع، ولكنّه ترك ذلك كلّه من أجل القيام بمسؤوليّاته تجاه هذه المسيرة.

•قلتم أيضاً في نعيكم: "رحل الذي حمل همّ الرسالة والرساليّين"، مـاذا تقصـــدون بهـذه العـبارة؟
هذه الصفة متأصّلة لدى الشيخ من مرحلة متقدّمة، من أيّام وجوده في النجف وقم، وقبل انتصار الثورة الإسلاميّة، حيث كان بيته مأوى للشباب والرساليّين.
مثال على ذلك: خلال أيّام الدراسة في قم، كنّا نسمع أحياناً طرقاً على باب الغرفة، وعندما نفتح لنرى من الطارق، كنّا نجد مغلّفاً فيه أموال. ومرّت مدّة على هذا النحو، ولم نكن نعلم مَن هو ذاك المُحسن، إلى أن علمنا لاحقاً أنّ الفاعل كان يقوم بذلك بتكليفٍ من الشيخ حسين كوراني.

•كيف تصفون علاقة سماحة الشيخ بالمجاهدين؟ وكيف كان ينظر سماحته إلى مسألة الجهاد من أجل حفظ هذه المسيرة؟
لم يُدخِل سماحة الشيخ في دائرة صداقاته الخاصّة إلّا المحبّين للمقاومة في لبنان، وللجبهة في الجمهوريّة الإسلاميّة، ولهذا ترى أنّ العلاقة الشخصيّة قويّة مع هؤلاء الأشخاص. وقد كانت تربطه علاقة وثيقة بأحد المجاهدين العراقيّين القياديّين، يدعى "أبو زينب"، كذلك بالشهيد الشيخ محمّد رملاوي، وكان يهتمّ كثيراً بأن تكون النيّة سليمة عند التوجّه إلى الجبهات، وكان رحمه الله يهتمّ كثيراً بالجانب النورانيّ للمجاهدين، وكان يجمع القصص التي يسمعها منهم أو عنهم ويحدّث بها.

وكان سماحته يرى أنّ هذه المسيرة تحتاج إلى نقاء روحيّ وتربية ثقافيّة، ولا يكفي مجرّد حمل السلاح، وهذه نقطة كان يحمل همّها كثيراً. وبمجرّد أن يلتفت إلى أنّ هناك أمراً ما يسبّب خللاً ثقافيّاً، كان ينبّه إليه بسرعة. ولا شكّ في أنّ سماحة الشيخ بين الشباب، وخاصّةً في بداية المقاومة وانطلاقتها، كان مؤثّراً فعلاً في التعبئة وفي بثّ روح الجهاد والشهادة أيضاً، حتّى إنّه كان يدور على أمكنة وجود المجاهدين، وكان يعتبرها أمكنة مقدّسة مثل المسجد والحسينيّة.

•كيف كان سماحة الشيخ حسين كوراني يدعو إلى الارتباط بأهل البيت عليهم السلام؟
كان سماحة الشيخ قد ألّف كتاباً بعنوان (في المنهج، المعصوم والنصّ)، وهو يعتبر أنّ الباب إلى الكمال هو المعصوم، وبمقدار ما تعرفه وتعرف مقاماته، بمقدار ما تطيعه وتتّبعه، وبمقدار ما تسمو، ولهذا كان رحمه الله يحمل همّ إيصال ليس فكر أهل البيت عليهم السلام فحسب، أو رواياتهم، بل همّ تعريف الناس بمقاماتهم.

•هل من كلمة أخيرة توجّهونها بحقّ سماحة الشيخ حسين رحمه الله؟
كان سماحة الشيخ قد أزال عنّا عبئاً كبيراً لتصدّيه في المجال الاستقطابيّ للشباب والشابّات. وتذكر الروايات أنّه "إذا مات العالم ثُلِمَ في الإسلام ثلمة لا يسدُّها شيء إلى يوم القيامة"(1). كلّ عالم يترك فراغاً، ولكن ليس كلّ فراغ يكون بيّناً. الفراغ الذي تركه سماحة الشيخ حسين بيّنٌ ظاهر، ويحار المرء فيمن يمكن أن يملأه. فهو كان قد سدّ ثغرة مهمّة في عالم بثّ الروح الأخلاقيّة، والمؤمنون في لبنان كانوا متعطّشين لهذا الجوّ، فقدّمه سماحة الشيخ بكلّ صدق وبلا تكلّف. والآن، ها هو قد رحل، قدّمه ورحل، وكأنّنا نعيش من جديد هذا الفراغ.


(*) مع إذاعة النور، بتاريخ 20/9/2019م.
1.المحاسن، البرقي، ج1، ص233.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع