مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أمراء الجنة: شهيد الوعد الصادق علي حاتم رضا


نسرين إدريس قازان

شهيد الوعد الصادق علي حاتم رضا (رضوان)
اسم الأم: أميرة حمام
محل الولادة وتاريخها: جبشيت 12/03/1975
الوضع العائلي: متأهل وله ابنة
رقم السجل : 329
محل الاستشهاد وتاريخه: صريفا 12/08/2006


حينما نعت المقاومة الإسلامية الشهيد علي رضا، بعد مشاركته في التصدي للعدو الإسرائيلي في منطقة الجنوب، ذُهل الرفاق ممن قضوا معه أقسى أيام الحرب جنباً إلى جنب في الضاحية الجنوبية، ومَن تقاسموا معه الساعات الصعبة وتشاركوا التنقل المتعب في قلب الخطر؛ شعروا وكأنه امتطى المستحيل إلى الجنوب على حين غرّة منهم، مستغلاً فترة الحرب التي تُسقط الأنظمة والقوانين؛ فلولا الحرب، لا مكان له لا في المحاور المتقدمة ولا في قلب المعارك، لأنه صبي وحيد لوالديه، وكيف إذا ما كان والده قد توفي قبيل فترة قصيرة جداً من الحرب؟!


*في ركب المرتفعين

ولكن مَنْ يعرف عليّاً جيداً؛ يدرك أنه من غير المنصف للحرب التي ترفعُ بعضاً من الخُلّص والصفوة إلى جنان الله عزّ وجلّ، أن تطوي أيامها، دون أن يكون علي من ركب المرتفعين.

في الاتصال الأخير له من الجنوب، قال إن كل شيء سينتهي بعد عشرة أيام، وصدق ما قاله، فقد انتهت الحرب بعد عشرة أيام بالضبط، وكان هو من الذين ارتفعوا شهداء في يومها الأخير.

ابن بلدة جبشيت اختزن في وجدانه تاريخ قريته المقاومة، فاشتد عوده على المواقف التي سُقيت بالدماء، وكان من الجيل الذي لم يلتحق بالمقاومة لأنه وليدُ رحمها. فبين المنزل الذي حرص فيه الوالدان على تربية بناتهما الخمسة وابنهما الوحيد على القيم والأخلاق الإسلامية، كان نصيبُ الجهاد وحُبّ المقاومة فيها كالتأكيد على الصلاة والأمور العبادية.

ولم يُفسد الدلال خصلةً في علي، بل اعتبره مسؤولية إضافية على ما حمّله لنفسه من مسؤوليات، فبعد أن سافر والده للعمل خارجاً، ارتدى علي عباءة رجل البيت في غيابه، وكان، على صِغَر سنّه، يهتمُّ بأمه وأخواته، ويحرص على أن لا يشعرن، ولو للحظة، بغياب الوالد أو الحاجة لرجل يعتمدنَ عليه.


*فوجٌ كشفيٌّ... على يديه

كان صاحبَ النشاطات الكثيرة التي كُشف عن بعضها في حياته، وبعضها الآخر كُشف بعد استشهاده، فقد كان مسؤولاً في التعبئة التربوية في الجامعة اللبنانية، وكان أول من أسّس فوجاً لكشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المصيطبة، وقد تفاجأت والدته عندما علمت بذلك في حفل تكريمي أقيم له بُعيد استشهاده، رغم أنها واكبته حين أمضى وقتاً طويلاً من شبابه في مسجد المصيطبة، حيث كان يؤسس لأرضيّة دينية لفتيةٍ خاف عليهم من أزقة الدنيا، ومن تلوّن الدين فيها.

الفتى الهادئ والودود والمهذّب كان عنيداً جداً في مواقف الحق، حتى يكاد المرءُ يتحيّر بهذه الشخصية التي حملت صفات متضادة، فالشاب الخجول يُفاجئك بطلاقة حديثه وجرأته وسرعة تعرّفه إلى الآخرين. في الجامعة كان المحرّك لكل نشاط، المبادر لطرح الأفكار، والمحاور والمثقف. لا يخلو نقاشٍ من وجوده. فكان يأسر من حوله بدقّة تعبيره، وكيفيّة ربطه وتحليله للأمور. لذا توقّع الجميع له النجاح في عمله الإعلامي بعد تخرّجه، ولكن علي فاجأ التوقعات، فساحته الإعلامية الخاصة كانت في مكان بعيد جداً عن الأضواء. فقد عُرض عليه العمل في عددٍ من القنوات الفضائية، ولكنه لم يكن ليعمل في مكان يبعده للحظة عن ساحة المواجهة، فعناده أمضى سلاح في طريق المقاومة، وربما هذا الذي أوصله إلى الشهادة، فكسر القوانين، وأوجد لنفسه مكاناً رحباً حيثُ لا يجب أن يكون، فوحيد والديه لم يعجبه أن يحظى بدلال من نوع آخر، وأن تكون خدمته في المقاومة تنحصرُ في المكاتب وبين الجدران، وإن كان لكل مكانٍ جهاده، بل أصرّ أن يفرد روحه مع المجاهدين في الجبال وبين الوهاد.


*الرصاص والقلم

بعد تخرجه من كلية الإعلام عُرف "رضوان" كما أسمى نفسه بين المجاهدين، ببشاشة وجهه، وصراحة سريرته، أحبّ خدمة المجاهدين، فكان يتحيّر كيف يقوم بعمله وعمل غيره أحياناً، كثرة نشاطه واندفاعه إلى العمل منعه من الركون إلى الهدوء والراحة، واستطاع بطول صبره وتجلّده أن يصل إلى قلب المحاور، فحمل معه إلى المعارك صمتاً طويلاً، وتفكّراً عميقاً، ناهيك عن عشقه للشهادة التي طالما سأل الله أن يرزقه إيّاها، حتى عندما أدّت أمه فريضة الحجّ أوصاها أن تدعو له بذلك، وهو يدرك كم يصعب هذا الأمر على الأم، ولكنه كان دائماً يذكّرها أن على الإنسان أن يحمل في قلبه صبر أهل البيت عليهم السلام.

ربط علي أواصر كل تفصيل في الحياة بالجهاد، فلا يكاد يرى شيئاً إلا وكان الجهاد قبله وبعده.

وكما كان يحثُّ الشباب على الالتحاق بالمقاومة كان يذكّرهم بأهمية العلم والتعلم، فحبر القلم أحياناً يساوي الرصاص.

لم يهتم علي بشؤون الدنيا ومظاهرها، فالشابُ الذي حظي بهدايا غالية الثمن من ثياب وغيرها، كان يزهد فيها ويبادر إلى إهدائها لرفاقه، وعندما تسأله أمه عن سبب ذلك، يجيبها ببساطة لأنه يخجل من ارتداء شيء غالي الثمن فيما لا يستطيع رفاقه ذلك.

تزوج علي ورزق بطفلة أسماها "فاطمة"، أحرف اختصرت سعادته، ولم تؤثر كثرة التزاماته العملية والدراسية على علاقاته الاجتماعية، فكان يخصصُ وقتاً لوالديه، ولأخواته، ووقتاً لزوجته وابنته، ولشدة حبه للتعلم اتفق مع زوجته أن تهتم بإنهاء دراستها الجامعية ولو على حساب أعمال المنزل، أو حتى تركها له، وحتى تحظى بما حظي به هو في تكريم الخريجين، وتسلُّم الشهادة من سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله).


*نافذة التائقين إلى العروج

كان عليّ لا يعدم وسيلة في سبيل التخفيف عن والديه، وعندما امتدت يدُ المنية وأخذت الأب الذي ترك فراغاً كبيراً في قلب الابن، صار همّه الوحيد التخفيف من حزن أمه وأخواته، وكان ذلك قبيل عدوان تموز بفترة قصيرة جداً، وسرعان ما انقلبت موازين الحياة، وصار الموت ينشر جناحيه فوق كل بقعةٍ مقاومةٍ في لبنان.

كانت الحرب نافذة أمل للتائقين للعروج، وكان علي أحدهم. فقضى معظم وقته في قلب الخطر يدافع عن الضاحية الجنوبية، يتحيّن فرصة الاطمئنان إلى أمه وأخواته وزوجته وطفلته، ثم يعود إلى حيث الأبنية التي تُقصف واحدة بعد أخرى. وحينما مرض أحد أصدقائه عرّض علي نفسه للخطر الشديد من أجل تأمين الدواء والماء له، في وقت كانت تتعرض الضاحية لأقسى الضربات الصاروخية.. وفي الوقت ذاته كان يسعى ليكون ضمن المجاهدين المتوجهين إلى الجنوب؛ ورغم تعسّر الأمور كان يدعو الله، وحينما أُعطي الإذن بمواصلة الجهاد في الجنوب انقشع حزنُ وجهه، فودّع أمه وزوجته وطفلته الصغيرة. وكان قلبه قد سبقه إلى ذلك التراب الذي ركض عليه، يدافع عنه بإطلاق الصواريخ، فإذا ما أعلن وقف إطلاق النار، مع إطلاق الصليات الأخيرة تململت نفسه في أكف حسرة البقاء، ولكن الله عز وجل لا يردّ دعاء رجل صادق، مشى إلى ساحة الحرب كي لا يعود، بل ليصعد إلى السماء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع