مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: عهدُ الأربعين صباحاً

الشَّيْخ معين دقيق

 



إنّ أهمّية الدعاء تكمن في كونه ينمّي العلاقة بين العبد وخالقه. وكثيراً ما يدخل طرفٌ ثالث في هذه العلاقة خاصة عندما يكون المضمون يرتبط بشخصيّةٍ مصطفاة من قِبَل المدعو (الخالق)، ومفترضة الطاعة على الداعي (العبد)، فحينئذٍ يتعاظم الدعاء، ويكون سبباً لصقل نفسية الداعي وتهذيبها بما ينسجم مع (الخالق) الموجّه إليه الدعاء، و(المصطفى) من قِبَله، سواء جعله الداعي واسطة في دعائه، أم كان دعاء الداعي لحقّه ولصالحه.
وهذا ما يتميّز به الدعاء المأثور الموسوم بـ (دعاء العهد)، والذي أحببنا الإطلالة عليه من خلال نوافذ متتابعة.


* النافذة الأولى: مصدر دعاء العهد
لعلّ أوّل مرّةٍ ذُكِر هذا الدعاء كانت في الكتاب المعروف باسم (الكتاب العتيق)، الَّذِي يصفه العلامة المجلسي - رحمه الله - كثيراً بالغروي؛ نظراً لكونه قد وجده في الغريّ الحسيني، ويقول عنه تارة إِنَّه: “لِبَعْضِ قُدَمَاءِ عُلَمَائِنَا”(1)، وأخرى: “وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ عَتِيقٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَظُنُّهُ مَجْمُوعَ الدَّعَوَاتِ لِمُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ مُوسَى التَّلعُكْبَرِيِّ” (2). والتَّلعُكْبَرِيُّ هو: هارون بن موسى، يكنّى أبا محمد، جليل القدر عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النّظير، ثقة، وجه أصحابنا، معتمد عليه، لا يُطعن عليه في شيء، مات سنة خمس وثمانين وثلاثمائة (3).

هذا، وقد نقل هذا الدعاء قبل صاحب البحار كلٌّ من:
1 ـ محمد بن جعفر المشهدي الحائري، المتوفى سنة (610هـ) في كتابه المعروف بالمزار الكبير، عن الإمام الصادق عليه السلام.
2 ـ السَّيِّد رضيّ الدين ابن طاووس (664هـ)، في كتابه مهج الدعوات ومنهج العبادات.
3 ـ إبراهيم بن علي، الكفعمي العاملي (905هـ)، في كتاب المصباح.
4 ـ وفي كتاب مفتاح الجنان المطبوع بحاشية كتاب (زاد المعاد) للعلامة المجلسي جاء ما لفظه: “رُوِيَ بِسَنَدٍ مُعْتَبَرٍ عَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مَنْ قَرَأَ...” (4)، وأورد دعاء العهد.
* النافذة الثانية: تعريف الإمام الصادق عليه السلام بهذا الدعاء
ورد في الخبر بحسب المصادر المتقدّمة عن الإمام الصادق عليه السلام ما نصّه: “مَنْ دَعَا إِلَى الله أَرْبَعِينَ صَبَاحاً بِهَذَا الْعَهْدِ كَانَ مِنْ أَنْصَارِ قَائِمِنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَخْرَجَهُ الله تَعَالَى مِنْ قَبْرِهِ، وَأَعْطَاهُ الله بِكُلِّ كَلِمَةٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ سَيِّئَةٍ”.

وفي هذا التعريف توجد أُمور يمكن الوقوف عندها والتأمّل بها:
ـ الأمر الأوّل: الدلالة على كمال التوحيد لله تعالى؛ وذلك عن طريق القرينتين التاليتين:
الأولى: إن الإِمام عليه السلام في مستهلّ هذا المقطع أكّد على هذه الحقيقة التوحيدية بقوله: “مَنْ دَعَا إِلَى الله”، أي: طَلَبَ وقَدَّم طلبه إِلَى الله تعالى، فهذا الدعاء الَّذِي كان الإِمام عليه السلام بصدد تعريفه للأُمّة كسائر الأدعية المشروعة، الداعي فيه هو العبد، والمدعو هو المولى والخالق، وليس كما يتوهّم بعض الناس أنَّنا ندعو إِلَى غير الله تعالى، بل هو دعاء إِلَى الله. كما أنَّ فقرات هذا الدعاء ومقاطعه تشهد بذلك أيضاً.
الثانية: تكرار لفظ الجلالة (الله) مع تمام الأفعال المذكورة في هذا التعريف، من قبيل: “مَنْ دَعَا إِلَى الله”، و”أَخْرَجَهُ الله”، و”أَعْطَاهُ الله”، و”مَحَا عَنْهُ”، أيْ: محا الله عن الداعي بهذا الدعاء.

ـ الأمر الثاني: إنَّ الإِمام عليه السلام حدّد وقتاً معيّناً لهذا الدعاء، كما أنَّه عيّن المرات التي يُدعى بها عدداً معيّناً، فهو دعاء يُقرأ في الصباح، ويكرّر ذلك أربعين صباحاً.
أمّا تحديد الظرف الزماني بالصباح، فمن الممكن أنْ يكون الغرض من ذلك أنْ يرتبط العبد بربّه تعالى بما يرجع إِلَى مَنْ اصطفاه تعالى في أوّل ساعات عمل الإنسان؛ لينعكس أثر ذلك عليه في تمام نهاره ويومه.
وأمّا تحديد المرّات بالأربعين؛ فإنّ الأعداد، كالأزمنة والأمكنة، لها خصائص لا بدّ من التسليم بها إذا صدرت عن أهل بيت العصمة عليهم السلام المرتبطين بالوحي من دون أيّ نقاش أو جدال؛ فإنّ قصور علمنا في كثير من الأُمور يمنعنا عن معرفة الكثير من الحقائق، ولا يعني ذلك عدم ثبوتها.
كما أنَّ التكرار الموجب للتعوّد له الأثر الكبير على نفسيّة الإنسان وتأثّره بالمضمون الَّذِي يكرّره.
ثمّ إِنَّه لا ينبغي أنْ يكون ذكر العدد مانعاً عن الزيادة، فلو كُرّر هذا الدعاء أكثر من العدد المذكور كان ذلك نوراً على نور، ولو لم يستطع الداعي بلوغ ذلك العدد فلا يعني أنْ يترك الدعاء. نعم الآثار الكاملة لهذا الدعاء تكون بالالتزام بالوقت والعدد على النحو المذكور.

وأمّا الآثار المترتبة على هذا الدعاء فيأتي الحديث عنها لاحقاً إن شاء الله تعالى.


1.بحار الأنوار، المجلسي، ج83، ص53.
2.م.ن، ج77، ص118.
3.خلاصة الأقوال، الحلي، ص290.
4.زاد المعاد، المجلسي، ص542.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع