إعداد: فاطمة خشاب درويش
هي موعد سنوي ينتظره الناس بفارغ الصبر من أجل الانطلاق من جديد في الحياة دون ذنوب وخطايا. كيف لا والله سبحانه وتعالى وعد عباده بالمغفرة وبقبول التوبة في هذه الليالي المباركة؟! فيتوافد الناس على اختلاف مستواهم الإيماني إلى إحياء ليالي القدر، باعتبارها فرصة ذهبية لنيل الرحمة الإلهية وفتح صفحة جديدة تملأها الأعمال الصالحة والخيرة وتغيب عنها المعاصي والآثام. مجلة بقية الله التقت عدداً من الجهات الفاعلة في مجتمعنا الإسلامي، وسألتها عن تقييمها لمشاركة الناس في إحياء ليالي القدر وبرنامج عملهم بشكل عام في هذه المناسبة.
* مجمع سيد الشهداء عليه السلام
المسؤول الإعلامي في منطقة بيروت الحاج غسان درويش يوضح أنه يتم التحضير لشهر رمضان المبارك، باعتباره مشروعاً خاصاً، كما يتم التعاطي مع ليالي القدر بنفس القدر والأهمية، نظراً لما تشكله هذه الليالي بالنسبة للناس. فهم ينتظرونها ويتحضرون لإحيائها في كل عام. ويشير درويش إلى العلاقة القوية والمميزة التي تجمع الناس بمجمع سيد الشهداء عليه السلام، ففيه يلتقي الناس بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وإن كان ذلك في الفترة الأخيرة عبر الشاشة. وهذه العلاقة تعززت أكثر بعدما أعيد إعماره بعد تدميره عام 2006 من قبل العدو الصهيوني. أما بالنسبة للتحضيرات العملانية للإحياء، فيتم ترتيب المكان وتجهيزه إلى جانب تأمين كتب الأدعية والمصاحف والسجدات. أما بالنسبة لبرنامج الإحياء، فهو يبدأ عادة عند التاسعة مساء. ويراعى اختيار عدد من أصحاب الأصوات الجيدة للقراءة، ويتم التركيز على ما يفيد الجمهور من الناحية العبادية، ويراعى إعطاء فترات متقطعة للاستراحة والسحور، ويترك المجال لمن يود التبرع في ذلك. ويشير الحاج درويش إلى وجود تقييم للحضور سنوياً. هذا الجمهور الذي يقدر بعشرات الآلاف وهو لا يقتصر على الملتزمين دينياً، بل هناك مشاركة من قبل أخوات غير محجبات وأخوة غير ملتزمين. ويشير في هذا المجال إلى الحضور العائلي، حيث تأتي الأم والأب والأطفال، كما يسجل حضور عدد كبير من المسلمين من مختلف الدول العربية ودول العالم في هذه الليالي في مجمع سيد الشهداء، فيرفعون قبضاتهم ضد الظلم ويسجلون وقفتهم مع الحق والمقاومة.
* المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
العضو في إدارة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى قاضي المحكمة الشرعية في بعلبك الشيخ محمد مهدي يحفوفي، اعتبر من جانبه أن اهتمام الناس بإحياء ليالي القدر أمر طبيعي، لما لهذه الليالي من خصوصية وقدر، كون القرآن الكريم تنزَّل فيها. فالله سبحانه وتعالى يعطي فيها الأجر الكبير، فيضاعف الحسنات والأجر، الأمر الذي يشجع على المشاركة في الإحياء. ويوضح القاضي يحفوفي أن إدارة التبليغ في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تتولى متابعة إحياءات هذه الليالي في المناطق، من خلال المبلغين في المساجد والحسينيات، فيؤمن لهم المجلس كتب الأدعية والمصاحف، كما يطلع على طبيعة البرنامج العبادي وحيثياته. هذا ويكون هناك إحياء مركزي لليالي القدر في مقر المجلس الواقع على طريق المطار، ويتم التحضير لذلك من خلال تنسيق برنامج الإحياء واختيار أصوات جيدة لقراءة الأدعية والقرآن. ويلفت في هذا الإطار إلى المشاركة الكثيفة للناس الذين يشاركون دون دعوة، مؤكداً أن الأعداد تزداد في كل عام نتيجة الوعي عند الناس ورغبتهم في تحصيل التوبة في هذا الشهر. ويشير القاضي يحفوفي إلى أن إحياءات المجلس لا تقتصر على لبنان، بل تمتد إلى مختلف أنحاء العالم، وتحديداً في البلدان الأوروبية. ويختم بالتركيز على ضرورة استفادة الجميع من شهر رمضان المبارك ولياليه لا سيما ليالي القدر، مشدداً على أهمية صفاء النية وطهارة القلب والرغبة الحقيقية في التوبة والبعد النهائي عن المعاصي والخطايا.
* المركز الإسلامي الثقافي
بدوره مدير المركز الإسلامي الثقافي في مجمع الإمامين الحسنين عليهما السلام السيد شفيق الموسوي، يشير إلى الأهمية هذه الليالي التي تنزَّل فيها القرآن الكريم الذي رسم للإنسان والكون وللحياة المنهج الرباني الذي يحقق الاستقامة والنظام، ويحقق كل معاني السمو على مستوى الفرد والمجتمع والأمة. وبما أن الدعاء في هذه الليالي مستجاب، نرى حرص الناس أصحاب الحوائج على إحياء هذه الليالي بكل إخلاص، لترفع حوائجهم إلى الله سبحانه وتعالى وتقضى بإذنه. وانطلاقاً من هذه المفاهيم وإحساساً بالمسؤولية الدينية، يلفت السيد الموسوي إلى الإحياءات التي يقوم بها المركز في مجمع الإمامين الحسنين عليهما السلام في حارة حريك، فيسجل ازدياد أعداد الوافدين إلى إحياء هذه الليالي في كل عام، نتيجة الوعي المتزايد عند الناس الذين يحرصون على الاستفادة بأكبر قدر ممكن. ويتابع مشيراً إلى أن هذا الأمر يفرض توفير كافة المستلزمات الضرورية للإحياء، سواء لجهة المكان وتجهيزه، أو لجهة توفير قراء القرآن والأدعية ومجالس العزاء، خاصة وأن هذه الليالي تتخللها ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، إضافة إلى تأمين حصص السحور للمشاركين في الإحياء. ويؤكد الموسوي أن وجود هذه الوسائل تجعل من إحياء هذه الليالي أمراً ميسراً على المؤمنين. ويحرص المركز بالتنسيق مع جمعية القرآن الكريم على إقامة أمسية قرآنية خلال إحدى هذه الليالي، فيشارك قراء من كل من مصر وإيران وسوريا. ويؤكد مدير المركز الإسلامي أن إحياء ليالي القدر في مجتمعنا هذه الأيام أصبح ضرورة عند الناس وبات مناسبة راسخة في قلوبهم، فهم يأتوننا من دون دعوة. وهناك مبادرات فردية تقوم بطباعة المنشورات وتوزيعها بالمجان على المؤمنين خلال الإحياءات. وهذا يعكس رغبة الناس في بناء حياتهم على أسس فلاح وتقوى، الأمر الذي شكل صحوة فعلية في مجتمعنا الإسلامي.
* جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
أما المشرف على قسم الأنشطة والمنشورات في جمعية المعارف الإسلامية الثقافية الشيخ عمار حمادة، فسجل تزايد اهتمام الناس بإحياء ليالي القدر خلال السنوات العشرين الماضية. وفيما يتعلق بمسؤولية إحياء هذه الليالي المباركة، يؤكد حمادة أنها مسؤولية عامة. وقيام جهة بذلك، لا يعني انعدام المسؤولية عن الآخرين. فما تقوم به جمعية المعارف يمكن التعبير عنه بأنه مسؤولية تخصصية، إذ إن الجمعية تعمل على تحديد الأدعية الموثوق بها المروية بسند قوي عن المعصومين عليهم السلام، كما تتصدى لطباعة الكتب والبرامج المتعلقة بالمناسبات، فتراعي الناحية الفنية الجمالية للمنشور.كما تقوم جمعية المعارف بدور مميز في مجال التواصل مع العلماء، وذلك من خلال الجمعيات الملحقة بها. فالمركز الإسلامي للتبليغ ينتسب إليه عدد كبير من العلماء الذين يتولون إمامة المساجد، وتشرف الجمعية على الإحياءات في هذه المساجد والمجمعات الثقافية، كما تقوم بطباعة المنشورات والإشراف على الأنشطة من خلال جهات على الأرض، فيتولى المنبر الحسيني – مثلاً - إرسال أشخاص يمتلكون الصوت الجميل لقراءة العزاء في المساجد. ويتحدث الشيخ حمادة في هذا الإطار عن دليل إحياء ليالي القدر الذي لم يصدر سابقاً بشكل مطبوع، إذ كان هناك منشور يتضمن أعمال ليالي القدر، إنما الدليل يتضمن القضايا اللوجستية من آداب وأمور مستحبة في هذه الليالي. ويركز الدليل على بعض النقاط التي من شأنها عدم إيقاع الشخص في الملل، فنلفت إلى ضرورة تأمين السحور والماء وأهمية الأجواء العامة لجهة التدفئة أو التبريد، إضافة إلى الجانب الإداري الذي يحرص على نجاح العمل من خلال تحديد أوقات الصلاة والدعاء وقراءة القرآن وفترات الراحة ووقت السحور. ويختم بالتأكيد على أن هذه الإحياءات هي خير مطلق للإنسان، مشيراً إلى الآثار المهمة لها، إذ إنها تضع الألفة بين قلوب الناس فيتحقق التكامل الاجتماعي، كما تدفع كل شخص للتأمل وتمتين علاقته بربه ومحيطه، الأمر الذي يقود بالتأكيد إلى الفوز بالآخرة ونيل مرضاة الله (عز وجل).