الشاعر يوسف سرور
صوتٌ تردَّدَ بالمَدَى، فتوسَّدَا(1) |
بُردَ(2) الهُدى، وغدا لدى الشُّهَدَا صَدَى |
يا قُدسُ هذا اليومُ يومُكِ قد أتى |
وسَمَا على هامِ العوالِمِ سيِّدَا |
ورِجالُكِ الأحرارُ من أهلِ النُّهى |
باتُوا حُسيناً في الجِهادِ وأحمَدَا |
دَكُّوا قِلاعَ الظَّالمينَ بعزمِهِم |
واسْتَأْنَسُوا بالموتِ فازْدادُوا هُدَى |
وتجلْببُوا تَلْعَ(3) التُّرابِ عباءَةً |
فالأرضُ زُفَّتْ للأشاوِسِ مسجِدَا |
هم فتيَةٌ نسبُوا لخيرِ سُلالةٍ أفْنانُها(4) |
حَسُنتْ وطابَتْ محْتِدَا(5) |
***
يا قدسُ قدْ نِلْتِ السُّمُوَّ مُجدَّدَا |
وبَنيتِ صَرْحاً للفِداءِ مُخلَّدَا |
وهتفْتِ في رَكبِ التفاني والفِدَا |
بمحَافِلِ الثُّوَّارِ كيْ تتوحَّدَا |
وتزيلَ حُكمًا مستبدًّا ظالماً |
وتوجِّهَ القَبَضَاتِ ضِدَّ من اعتدى |
ضدَّ اليهودِ الحاقِدينَ، ومَن مشى مَعَهُمْ، |
ومنْ لِبْسَ الصَّهَاينةِ ارتَدَى |
قدْ ملَّ أقْصاكِ المجيدُ من الجفا |
إذْ كانَ سيفُ بني الرِّسالةِ مُقعَدَا |
واليومَ نيرانُ القطيعةِ أُخمِدتْ |
وتدفَّقَ الأحرارُ من يَمِّ الفِدا |
واصْطَفَّ فُرسانُ الجِهادِ بوحدَةٍ |
رسمتْ غدًا سمْحاً كريماً أرغَدَا |
وغدتْ على عُنُقِ الزَّمانِ قِلادةً |
بِجمالها النَّصرُ المُبينُ تولَّدَا |
***
يا قدسُ هذا الكُفرُ كشَّرَ نابَهُ حَنَقًا، |
وأبرَقَ في الفلاةِ وأرْعَدَا |
والظَّالِمونَ من اليهودِ تفنَّنُوا بقتالنا، |
بالسَّوطِ ضَرباً، والمِدَى(6) |
عادُوا ... فعُدْنا نسْتمدُّ عزائماً من ربِّنا، |
ونهيمُ شوقًا في الرَّدى |
ونبثُّ في سمْعِ الزَّمانِ نشيدَنَا: |
ذا بُلبُلُ الإسلامِ ثانيةً شَدَا |
والقائِمُ المهْدِيُّ كرَّ بأَرْضِنَا حَرْباً، |
وضدَّ يدِ العدى أبدى يَدَا |
أردى العُتاةَ، وقامَ يهدمُ إِفْكهم |
والسَّيفُ بين يديْهِ حبَّاً غرَّدا |
***
يا كونُ سجِّلْ في كتابكَ صفحةً |
من وحيِ "يومِ القُدسِ" يتلوهَا المدى |
وابْعثْ لكاتبهَا(7) تحيَّاتٍ، |
بها عنْ كلِّ ما خَطَّ الأنامُ تفرَّدَا |
سبكَ القرارَ بصكِّ عزٍّ هادرٍ |
بسَناهُ آمالُ العِدى ذَهبتْ سُدى |
ومضى إلى سُوحِ الجهادِ غَضَنْفَراً |
ورأى الطُّغاةَ أمامَه، فاسْتأسَدَا |
وعَدَا يُيَمِّمُ وجْهَهُ شَطرَ الفِدا |
وسَمَا إمامًا موسوِيّاً مُرشِدا |
حتَّى اسْتحالَ البَغْيُ نَسْياً |
في البِلَى ولهُ يعودُ المنتَهَى والمُبتَدَا |
***
يا قدسُ يومُكِ شعَّ في أُفقِ الورى |
إنْ هدَّكِ الكفرُ العتيدُ تجدَّدَا |
أضحى فؤادًا للقضيَّةِ نابضاً |
وعَلا على قلَلِ البَلا، وتمرَّدَا |
وأضاءَ دربَ السَّائرينَ بنورِهِ |
وانْسلَّ سيفاً للأُباةِ مُهنَّدَا |
واجْتاحَ أُفْقَ العالمينَ مبشِّراً |
بهلاكِ قطعانِ اليهودِ ... وأنشدَا: |
لَمْلِمْ متاعكَ يا عدوُّ، ولا تعدْ |
وامكُثْ بلَحدِ البائسينَ مصفَّدَا(8) |
إنْ كنتَ تجهدُ كيْ تُهوِّدَ(9) أهلنَا |
فالنَّاسُ تأبى اليومَ أنْ تتهوَّدَا |
أوْ كنتَ تغرِقُهم بفتنةِ ماجنٍ |
فالشَّعبُ ملَّ اللهوَ واحتقرَ الدَّدا(10) |
ومشى إلى سوحِ الجهادِ مقاوماً |
ومُناهُ في الهيجاءِ أنْ يستشهدَا |
***
يا قدسُ قومي عطِّرِي أجواءَنا |
بشذى الدِّماءِ، فبحرُنَا قد أزبدَا |
والحربُ صارت للمجاهدِ قبلَةً |
والسيفُ أضحى للمقاومِ معبَدَا |
والأرضُ باتتْ للأبيِّ وسادةً |
وترابُها أمسى قبوراً للعِدَى |
والغيمُ يطربُ إنْ تبسَّمَ ثائرٌ |
ويزخُّ دمعاتٍ إنِ الحادي حَدَا(11) |
والرُّعبُ والرِّيحُ العقيمُ مضتْ |
إلى ثكَناتِ سوحِ الحربِ كيْ تتجنَّدَا |
ورجالُ ربِّ الكائناتِ إذا دَعَوْا سَحَرًا |
على الجَبَلِ العظيمِ تبدَّدَا |
وإذا أبَوْا جعْلَ الفَلا قِدداً، |
أبى وإذا أرادُوها أرادَ وسدَّدَا |
***
يا قدسُ هذا الكونُ هلَّلَ باسماً |
وسَمَا يرتِّلُ في السَّماءِ مُردِّدَا: |
مولايَ مُنَّ على الذينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرضِ، |
واجْعَلْهُم لحُكمكَ قُوَّدَا |
حتَّى نُزيلَ الجورَ من آفاقِنَا |
ونُقيمَ للعدلِ المُوطَّدِ مولِدَا |
والصَّالحونَ بصبرِهِمْ يرثوا الدُّنى |
ونرى عليًّا قائدًا، ومُحمَّدا |
***
(1) توسّد الوسادة: جعلها تحت رأسه.
(2) البُرْد: ثوب مخطَّط.
(3) التَلْعُ: جمع تلعة وهي ما علا من الأرض.
(4) الأفنان: الأغصان المستقيمة.
(5) المحتد: الأصل. يقال: فلانٌ كريم المحتد.
(6) المِدى: جمع مِدية وهي الشفرة الكبيرة.
(7) الإمام الخميني.
(8) مصفَّداً: موثّقاً ومقيّداً بالحديد.
(9) تهوِّد أهلنا: أي تجعلهم يهوداً.
(10) الدَّدَا: اللهو واللعب.
(11) حدا: رفع صوته بالحُداء، والحادي هو الذي يسوقُ الإبل ويتغنّى لها.