الشيخ تامر حمزة
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام هو ثاني أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأحد الإثنين اللذين انحصرت بهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله، وأحد الأربعة الذين باهى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله نصارى نجران، وأول سيدي شباب أهل الجنة، وأحد الذين نزلت فيهم آيات الإطعام والتطهير والمودة، وفرد من العترة التي أُمرنا بالتمسك بها لكونها سبيل النجاة. لقد انطوى العزّ فيه من طرفيه النبوة والإمامة، حظي الصبر بالعظمة حينما كان الإمام الحسن صابراً، ونال الحلم فخراً حينما حلّ في شخصية الإمام. أما السماحة والكرم والجود والسخاء، فهو أصلها ومعدنها. من مثله ومثل أخيه الحسين الشهيد عليه السلام؟ فهما سبطا النبي وولدا الإمام. ويكفيهما أنهما انتميا إلى أشمخ صلب وأطهر رحم. فمن نظيره إذ أخوه الحسين؟ ومن نظير الحسين إذ أخوه الحسن عليهما السلام؟ وأما حياته العبادية، فقد لخصها لنا الإمام الصادق عليه السلام كما روى عنه المفضل بن عمر أنه عليه السلام قال: "حدثني أبي عن أبيه عليه السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم"(1).
* الإمام الحسن عليه السلام في الوضوء والصلاة:
بما أن الإمام الحسن من ذاك البيت الشامخ الذي يعرف الله سبحانه وتعالى حق معرفته ويخشاه كأنه يراه، فلذا كان خوفه من الله سبحانه وتعالى بقدر معرفته له. وتتجلى المعرفة به حينما يريد الوقوف بين يديه للصلاة، ولذلك كانت ترتعد مفاصله ويصفرّ لونه حين الوضوء لتهيُّئه لذلك الوقوف، وأجاب عندما سئل عن ذلك فقال عليه السلام:"حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله"(2). وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل(3). وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس وإن زحزح(4).
* الإمام الحسن عليه السلام والحج:
لقد قرن اسمه المبارك مع ذكر الحج على مستويين: الكمية والكيفية، إذ اشتهر عنه أنه حج إلى بيت الله الحرام حوالي خمس وعشرين حجة، وكانت كلها مشياً على قدميه الشريفتين، وأحياناً كان حافياً، كما جاء ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام(5)، مما يكشف عن مدى حنينه إلى لقاء ربه في تلك المواطن، كحنين الأم إلى ولدها. ويدل على ذلك ما جاء على لسانه حين طلب منه معاوية أن يصعد المنبر ليتكلم، وقد أراد الوقيعة به لإظهار ضعفه ونقصه أمام الناس. وبعد الحمد والثناء، وحين كان يعرّف نفسه للحاضرين قال لهم، من جملة ما قال: أنا ابن الركن والمقام، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المشعر وعرفات(6). ويدل على ذلك ما رواه في البحار عن أبي الضيم في حلية الأولياء، بالإسناد عن القاسم بن عبد الرحمن، عن محمد بن علي عليه السلام، قال الحسن عليه السلام: إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينه على رجليه. وروى عبد الله بن عمر عن ابن عباس قال: لما أصيب معاوية، قال: ما آسى على شيء إلا على أن أحجّ ماشياً، ولقد حجّ الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه(7). وكذلك روى فيه عن محمد بن إسحاق: ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً، فما من خلق الله أحد رآه إلا نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي(8).
* الإمام الحسن عليه السلام والمسجد:
لطالما كان الإمام مصاحباً لجده رسول الله صلى الله عليه وآله ولأبيه أمير المؤمنين عليه السلام. ومن جملة المواطن التي كان قد تعوّد على الحضور فيها المساجد حتى شب وشاب من فيها. ولم يكن دخوله إليها إلا على أنه ضيف من ضيوف الله سبحانه وتعالى. ولذا ورد أنه كان إذا بلغ باب المسجد، رفع رأسه وقال: "إلهي ضيفك ببابك. يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم"(9).
* الإمام الحسن عليه السلام والذكر:
هو من ذاك البيت الشامخ الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه سبحانه وتعالى، ولذا كان دائم الذكر لله سبحانه وتعالى. ولم يُرَ في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله، وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ إلا قال: لبيك اللهم لبيك(10).
* الإمام الحسن عليه السلام ويوم القيامة:
من أهم الأمور الحاضرة في عقل وقلب إمامنا ومولانا الحسن بن علي عليهما السلام أمر الموت وما بعد الموت. وهذا الحضور الوجداني النابع من العلم الحضوري والمعرفة الحقيقية لتلك المنازل المهولة والعقبات الكؤودة وما يواجهه الإنسان في السفر الطويل، جعل الإمام في حالة بكاء مستمر كلما تذكر واحدة من تلك المنازل والعقبات. فقد روى المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام قال: حدثني أبي عليه السلام عن أبيه أن الحسن كان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوّذ بالله من النار(11). واشتد بكاؤه أكثر وهو على فراش الشهادة، لأن الإذن بالرحيل قد صدر، والقرار بالانتقال إلى تلك النشأة قد اتخذ. عن ابن فضال، عن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليه السلام ورد: لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالب الوفاة، بكى، فقيل له: يا بن رسول الله، أتبكي ومكانك من رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أنت به؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما قال؟ وقد حججت عشرين حجة ماشياً؟ ... قال عليه السلام: إنما أبكي لخصلتين: لهول المطلع وفراق الأحبة(12).
* الإمام الحسن عليه السلام ومقاسمة ماله بينه وبين الله تعالى:
من جملة الأمور التي صبغت حياته العبادية وصارت جزءاً من شخصيته المباركة وطارت حتى اشتهر بها إضافةً لحجه مشياً إلى بيت الله الحرام، مقاسمته ماله بينه وبين الله سبحانه وتعالى ثلاث مرات حتى النعل والنعل، فعن الصادق عليه السلام: إن الحسن بن علي عليهما السلام قاسم الله ماله مرتين. وفي خبرٍ "قاسم ربه ثلاث مرات". وقد روى في البحار عن حلية الأولياء بالإسناد عن شهاب بن عامر أن الحسن بن علي عليهما السلام قاسم الله تعالى ماله مرتين. وفي نفس المصدر عن علي بن جدعان قال: خرج الحسن بن علي عليهما السلام من ماله مرتين وقاسم الله سبحانه وتعالى ثلاث مرات، حتى أنه كان ليعطي نعلاً ويمسك نعلاً ويعطي خفاً ويمسك خفاً. لقد صار مشهوراً عنه ما جاء في الحديث السابق وهو على فراش الموت حين قال له القائل:" وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل والنعل"(13).
* الإمام الحسن عليه السلام والدعاء:
إن الأدعية المأثورة عن مولانا الإمام الحسن عليه السلام كثيرة وهي كسائر أدعية الأئمة الأطهار التي تتضمن حيثيات متعددة، كأدب التقديس لله والخضوع له، والتذلل بين يديه وتمجيده وتحميده وذكر الصلاة على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وعلى آله، والتي تحمل معاني في العلوم والمعارف الحكمية والآداب والأخلاق. ونشير إلى نموذج من أدعيته المباركة: "إلهي، بك عرفتك، وبك اهتديت إلى أمرك، ولولا أنت، لم أدرِ ما أنت. فيا من هو هكذا ولا هكذا غيره، صلِّ على محمد وآل محمد، وارزقني الإخلاص في عملي والسعة في رزقي، اللهم اجعل خير عملي آخره وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك. إلهي أطعتك ولك المنة علي في أحب الأشياء إليك، الإيمان بك والتصديق برسولك ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك والتكذيب برسولك، فأغفر لي ما بينهما يا أرحم الراحمين"(14).
(1) بحار الأنوار، ج 43، ص331، معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين – الشيخ محمد مهدي الحائري، ج 1، ص16 -17، أعلام الهداية – الإمام الحسن المجتبى- المجمع العالمي لأهل البيت- ص33.
(2) معالي السبطين، ج1، ص16 17، أعلام الهداية، الإمام الحسن المجتبى، ص33
(3) بحار الأنوار، ج43، ص 331، عن أمالي الصدوق، ص 150، المصدران السابقان.
(4) البحار، ج43، ص 339.
(5) المصادر الأربعة السابقة: 3 – البحار، ج43، ص 339.
(6) بحار الأنوار، ج 43، ص 33.
(7) البحار، ج43، ص 339.
(8) البحار، ج43، ص338.
(9) البحار، ج 43، ص389، معالي السبطين للحائري، ج1، ص16، المناقب، ج3، ص 180.
(10) البحار، ج43، ص331، أمالي الصدوق، ص 150، معالي السبطين للحائري، ج1، ص16.
(11) عدَّة الداعي، ص139.
(12) البحار، ج43، ص 332.
(13) البحار،43، ص331.
(14) مهج الدعوات، 144.