محمود علي كريِّم
ردي عليّ معالي راية الظفرِ |
وسابقي الخود(1) إن تسبي سنا بصري |
يا بيرق العزّ هل نبئت عن أممٍ |
لا تعرف النوم إلا نوم منتصرِ |
هل عاينت بذرى(2) الأيمان أسلحةً |
واسمُ الحسينِ بها في محجر الشررِ |
تدري بها الشمُّ والراياتِ ترفعها |
يا راية العز كم شرفت من بشرِ |
ما أدرك الجبل العاتي بأنَّ لها |
في غيهَبِ التُربِ جَذراً غاب عن نظري |
للآل يحدو عبيراً فاحَ من دمهم |
أرضٌ تسامت بعشق الله في السحرِ |
أرضٌ بكربٍ وجذرٌ غار يحملهُ |
جنحُ الهيام بقيعاً خاشِعَ الفِكَرِ |
جذرٌ تشعَّبَ من أرض الجنوب إلى |
جمال يثرب هل للحبِّ من أثرِ |
ثم استمدّت من الأنوار عنصُرَهَا |
تروي نفوساً عناها شَقَّةُ السَفَرِ |
حتى استقرَّت بأرض الطهر عاملة |
ما عادت اليوم إلا عود منتصرِ |
****
قالت لي العرب من بعد المنام فما |
أقسى النيام وسومَ الناسِ من ضجرِ: |
تستهجنُ النَصر! أينَ النصر حين بدا |
من بيرق العزّ ما يعلي من القدرِ |
يا قبَّحَ الله من أعمى الضلال به |
عين البصيرة أن يرنو إلى ظفري |
ما عُيّب النصر بل زيغٌ(3) بأعينهم |
بالذل غرقى وعينُ الذلِّ كالحجرِ |
إن أنكر العميُ نصراً ساطعاً ألقاً |
فالنصرُ سامٍ وإنّ العيب في البصرِ |
****
يا حامل الشوق للأبطال قف خجلاً |
واحمل ولائي وحبّي غير مستترِ |
لا أنكر العشق والتحنان يفضحني |
كم يفضح النور بدر الحسنِ في السحرِ |
أوصل كلاميَ من روحٍ تعصّرها |
أيدي الهيام وخمر العشق مُعتصَري |
أوصل حروفي إلى (الريحان) تنثرها |
ما بين (صافي) و(عيتا) ضرة القمرِ |
قل للمقاوم والتاريخ يكتبهُ |
لا يكتب العزَّ إلا السيفُ في الخطرِ |
لا يعرف العزُّ إلا بالفدا ولكَمْ |
نامتْ نفوسٌ على الإذعانِ والبطرِ |
يا رافع الراي قل لي كيف ترفعها |
قد حرت والله أيٌّ رافعٌ قدري |
إن بارك الله أقواماً فهم قِممٌ |
كانت رجالاً رجال الله في الأثرِ |
****
يا معلم العز في أيارَ كَم ْذهلت |
عنك النفوس وحارت فيك من فكرِ |
كم يعجبُ المرء أن يلقى النقاء إذا |
عم الزمانَ جمود الخانعِ الكدرِ(4) |
أن تغدو الصدقَ والأيامُ يملؤها |
غدر الرجال فهذا أعجَبُ الكِبَرِ |
ذاك الأمين على الأرواحِ أقصِدُه |
تهفُو لهُ الروح شوق الزرع للمطر |
إن قلت شمساً فشمسُ الحق صارخة |
بين الجبين وقوس العين كالقمرِ |
ما أثقل الشعر مدحاً في مكارمه |
فالحرف والشعر والأوزان في خثر(5) |
لو صغت درّاً وأبياتاً مرصّعةً |
قلَّ الوفاء له بالشعرِ والعبرِ |
****
(1) خود: الجارية الناعمة.
(2) الذرى: أعالي الجبال.
(3) الزيغ: الميل بسبب المرض.
(4) الكدر: خلاف الصفو.
(5) الخثر: هو الفضول وما يبقى على المائدة.