مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قرآنيات‏: الإصلاح في الأرض‏

السيّد ربيع الحسيني‏

 



جاء القرآن لينقلب على كل الثقافات الباطلة، التي تحول دون الرقي الإنساني، ويثبت العقائد والسنن الحقة، التي تسرع من عجلة التكامل البشري، وتهدي إلى سبيل السعادة.

* مظاهر الحق القرآني‏
كتاب حق لا باطل فيه ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 2)، يهدف إلى بث رسالة واضحة: إقامة الحق في العوالم الوجودية كافة، وليس فقط في عالم الدنيا أو الآخرة. وكذا محاربة الباطل، المعبّر عنه قرآنياً ب"إزهاق الباطل"، هو وجه آخر من وجوه تثبيت الحق. فأن يُزهق باطل يعني أن يُقام حق، لأن إزهاق الباطل هو إقامة الحق بعينه. والحق مصطلح يشمل كل وجوه الخير، التي يجب ترسيخها وتثبيتها في المجتمعات، وكل عوامل الصلاح، التي بها ينال الناس، أو الخلق، أو الطبيعة، الصلاح، وبدونها يفسد نظام وجودهم. والباطل هو كل المراسم أو الثقافات، أو المساعي، الجهود، الأعمال، التي بوجودها يعم الفسادُ الخلقَ، ويعدم شؤون الصلاح، وبشيوع الباطل تصاب عجلة الرقي الإنساني بالعثار والصدأ.

لذا ليس بالضرورة أن يكون ما يدعو إليه القرآن الكريم، متسالَماً عليه بين أبناء مجتمع ما كافة، فلعل المشهور كان خلافه، ولعل الاعتقاد السائد كان خطأ أو غير ما دعا إليه القرآن الكريم. من هنا نلاحظ كيف تصدى القرآن لظاهرة عبادة الأصنام، هذه الظاهرة التي كانت سائدة ومتجذرة بين أبناء المجتمعات القديمة، منذ نوح عليه السلام وحتى خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، والتي لم يكن ليجرؤ أحد على البوح بخلافها، خلا قليلاً ممن صَدَق.
وهنا سؤال لا بد أن يُطرح ليجاب عليه:

كيف نعلم أن القرآن لا يدعو إلا إلى حق، ولا ينهى إلا عن باطل؟ ألأن للحق علامات نجدها فيما دعا إليه القرآن الكريم، وللباطل علامات نجدها فيما نهى عنه؟
أم لاعتقادنا بأن القرآن كتاب كريم منزل من عند الله، لذا لا يقول إلا الصدق، وطالما أخبرنا أن ما يدعو إليه هو الحق، وما ينهى عنه هو الباطل، فالأمر كما قال؟
بالطبع، من يعتقد جزماً بأن القرآن كتاب صدق، لا يشك في دعوته إلى الحق، ولكن ماذا لو كان الشخص غير معتقد بالقرآن، كيف يمكن إثبات هذه الدعوى؟ هذا ما تتناوله هذه الصفحات.

* الإصلاح من مظاهر الحق:
هناك أمور في القرآن واضح أنها حق كعين الشمس، وأمور أخرى تحتاج لقليل من الشرح، وينكشف الستار. سنتحدث عن الإصلاح في الأرض، وعدم الإفساد فيها، كمظهر حق آخر طرحه القرآن الكريم. من أولى واجبات الإنسان أن لا يفسد في الأرض، وطريقة الإفساد واضحة للجميع. نعم أحياناً يحصل اشتباه في التحديد، ويُحَلّ ذلك بالرجوع إلى العلماء. والواجب الآخر الأرقى والأهم، هو الإصلاح في الأرض، ومواجهة الفساد فيها، وهذا عمل المخلصين من الناس، وليس عمل العامة. وبهذا تتمايز درجات الناس في الآخرة، فإنه لا يستوي رجلان، رجل لا يفسد في الأرض، ولا يظلم، ولا شأن له بعمارة الأرض وصلاحها، وآخر يلاحق المفسدين، ويطيح بمخططاتهم، ثم يرجع إلى المظلومين فيعيد لهم حقوقهم المسلوبة.

القرآن الكريم شدد في الدعوة لهذين الأمرين: الأمر بالإصلاح في الأرض والنهي عن الإفساد فيها: قال تعالى: ﴿... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا (الأعراف: 55 56) ﴿فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (الأعراف: 74).

* مفردات الإصلاح في الأرض وعدم الإفساد فيها:
* حفظ حقوق الناس المالية:
﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا (الأعراف: 85).

* الدعوة إلى العدل:
﴿
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (النحل: 90).

* الإحسان إلى الوالدين:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء: 24). في هذه الآية نرى كيف قرن الله تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين ونرى الأخلاق الإلهية السامية تشع علينا من سمائها.

* العمل الصالح:
هو من أهم قنوات الإصلاح في الأرض، إذ لا يتم ذلك إلا به، بل وبه يتم إعمار الدارين: الآخرة والأولى. ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (الطلاق: 11).

* تقوى الله:
وهي المحور الذي به يُحذر المعتدون والمتجاوزون: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (آل عمران: 131).
وهي التي بها يُحفظ إيمان المؤمنين وبها يثبتون على الصراط القويم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر: 18).
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ (التغابن: 16).

* طاعة الرسول والأئمة المعصومين عليهم السلام:
لأن الرسول والأئمة عليهم السلام تتوفر فيهم مؤهلات القيادة الناجحة، التي باتباعها يحصل المرء على سعادته المرجوة، ولن ينال المؤمن خيراً، إلا باتباع هؤلاء الرجال، فقد أمر الله تعالى باتباعهم وإطاعتهم. ولقد أمر الله تعالى باتباع الرسول صلى الله عليه وآله ولم يكتف بالأمر بطاعته، لأن اتباع الرسول صلى الله عليه وآله أبلغ في الطاعة، وأقرب للتمحيص والاختبار الإلهي ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (النساء: 64). ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (آل عمران: 31 32). والأئمة عليهم السلام قد عبر الله عنهم ب"أولي الأمر" حينما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع