أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أوّل الكلام‏: ثقافة الحياة.. حقيقة الحياة

الشيخ يوسف سرور

 



ليست الحياة سلعة من مِتع الإنسان يتصرف بها كيف يشاء، ولا هي لُقطة وجدها حائزها على قارعة طريق، أو في إحدى الساحات والأماكن العامة، يخوّله ذلك ما يريد من استحلالها واستساغة تضييعها. وليست الحياة هوية واصلة من أبالسة الإنس أو الجن، ينساق المتلبّس بها خلفهم، يوحون إليه زخرف القول، ويزينون له سبل المهانة؛ يعلمونه أراجيز الهوان وأناشيد المذلة مترافقة مع ألحان التهتك وأنغام الفجور. ولم تكن الحياة يوماً عنواناً من عناوين الانفلات، ولا سبيلاً من سُبل الطغيان، يرتع صاحبها في حدائق الزيف ويتنعم في خوض لُجّة الزّبد، لا يجد لمركبه قراراً ولا لمرساته ركناً وثيقاً.

واهم من يرى الحياة هبة من أصحاب العروش المتداعية، الذين أعمى أبصارهم طغيانُهم، وأصم آذانهم ضجيج جوقات المحتفين بهم، من أصحاب الأوهام والمشاريع البائرة. والذين عميت بصائرهم بتمجيد الفاشلين وتسبيح البائسين بحمدهم، عن رؤية أهل الله وأوتاد الأرض، فناخ التابع في منتصف الطريق عن إتمامها، وأناخ المتبوع قبل نهايتها بعد أن صرعته بعض سهامها.

غارق في الوهم من يظن أن هؤلاء من أعطى الحياة ومقوماتها، وأغدق الأرزاق وأمتعهم بلذاتها؛ وأنّ بيدهم مصيره وبقاءه، ترجفه حركاتهم التي هي انتقاضة الذبيح حين شعوره بحرارة سكين يد الغيب تقطع أوداج بغيهم وتحجزهم عن تماديهم بغيِّهم. وأن مظهر القوة الذي يهيمن على سلوكهم ويظهر المزيد من اعتدادهم، ما هو إلا فوضى مختلقة سرعان ما ترتد على أطرافهم والجذوع، قاطعةً مسار الوهم، واضعةً أصحابها أمام الحقيقة المرة، التي تملأ القلوب حسرة، والحلوق غصة معترضة، قد تكون فيها أنفاسهم ونفوسهم.

ليست الحياة لحظة ترف ولا مبالاة، يقضم أصحابها من آجن جيف الدنيا، ويعبّون من آسن نقيعها الغاوي للأنوف المزكمة، والمزيَّن للغرائز الضائع أصحابها بين براثن الشياطين ومخالب الحدثان، الذي لا يمهل أحداً في كل زمان.
الحياة.. فرصة فريدة ونوعية، من أحسن الاستفادة منها دانت له الظروف ورضخت لإرادته العوامل... الذين لا تعبث بمصيرهم الأوهام، ولا يدغدغ عقولهم الأماني الزائفة والأحلام. الحياة (الدنيا) لحظة توثُّبٍ إلى حياة لا زوال لها ولا اضمحلال، تسوق إليها عربة الثبات والاستقامة، محمولة على عجلات الإيثار والتفاني، تربط بينها وتمسكها حبال العقلانية التي هي أشد من الفولاذ، وأشد بعداً عن وهم عناكب أهل الدنيا وأبراجهم المتداعية...

هذه العربة... المثبتة أعضاؤها بدُسر المبادئ المتينة، وأربطة الولاية المكينة... لا يرتاب قائدها في جادة الحقيقة، ولا تعوزه الفطنة في انتهاج السبل الواضحة، حيث غرس أربابها أعلام الهدى على كل مفترق، وانغرست فوق هضابها علائم اليقين، يهتدي بها كل التائهين، المغلوبين على أمرهم. الحياة حقل التزام، بذوره مبادئ الحق والثبات، وترابه النفوس الزاكية، والقلوب الصافية، وبذورها حبات القلوب من فلذات الأكباد والذوات، وريّها من عرق الجبين، وقطرات الدماء من الأوردة والوتين، التي لا تخطئ سهامها ولا يخيب مرامها. الحياة... ليست هي فناً يجيد فيه صاحبه التنقل بين منعرجاتها والسبل، لتحقيق مصلحة اللحظة الموهومة، المنحرفة به عن المصائر المحتومة والتي تختنق فيها الأحلام وتتبخر الآمال في اللحظات المحمومة.

الحياة... الحياة أيها الواهمون هي ذلك النهر الهادر الذي لا يرحم من يعترض سبيله، والذي يذهب زبد السراب والضياع فيه جفاءاً، لا تذكره صفحات العزة في كتبها، ولا أنامل الزمن في مقاطعها؛ والباقي فيه، الثابت الذي لا تحبطه طحالب الاعتراض، هو حَمَلَة المبادئ الحقة وأصحاب الهامات العالية، الذين بهم تحيى الحياة... وبشموخهم يتماثل شموخ الجبال... الحياة الحياة... هي تلك التي يجيد صياغتها أهل البصائر... المعقود لواؤها بأيدي أسياد الزمن... رجال الله.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع