مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: سرّ قوّة معنويات المؤمنين

الشيخ نعيم قاسم



ما الذي يجعل المؤمن بالله تعالى مطمئناً وواثقاً ومرتاحاً؟ لماذا يتحمَّل شدة البلاء وكثرة التضحيات من دون أن يتزلزل؟ كيف يتابع المؤمن حياته من دون تعقيدات نفسية وهو محرومٌ من الملذات؟ ما سر قوة معنوياته مهما تكاثر عليه الأعداء؟

1- المنهج الواضح
عبَّر القرآن عن الإسلام بأنه كمالُ الدين وتمامُ النعمة ومرضاة الله تعالى بقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة: 3)، ذلك أنَّ سرَّ الطمأنينة والصبر وقوة المعنويات وعدم الاستسلام لتعقيدات الحياة يكمن في الالتزام بالإسلام، الذي يضيء لنا الطريق ويهدينا إلى الصراط المستقيم.

هذه هي البداية، أن نعرف كيف نسير في حياتنا، وما هو المفيد لنختاره، والمضرُّ لنبتعد عنه، وكيف لا نضلُّ أثناء المسير، وما هو الطريق الأفضل لنصل إلى النهاية، فنحقق مبتغانا في الدنيا، ويكبر رصيدنا عند الله تعالى يوم الحساب لندخل جنَّته. هذا هو المفتاح إلى السعادة الأبدية، أن نختار الإسلام ونسير على نهجه، ولا نحيد عنه، فهو طريق الخلاص والفوز، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يوسف: 108).

2- القوة في الدين
ولا داعي للقلق أو التردد. إنَّه دين الله الخالد. وهو الذي يتفوق بمراحل كثيرة على كل ما عداه. وهو المرسل إلينا من الخالق البصير، فعلينا أن نأخذه ونتمسك به بقوة، ونسير على هديه في حياتنا بمعنويات عالية، فهو الأعلى والأسمى والأصلح والأهدى. ولنقل لجميع من خالفنا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.ولن يكون لديهم برهان. وإذا ظنوه كذلك، فسينكشف زيفه عندما نقارعهم بحجة الإسلام، قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِين (الأعراف: 145).

ليس لدينا أي حيرة أو شك. إنَّه الاعتقاد الجازم بالدين المتين من الرب القدير. وقد مرَّت الأزمنة الكثيرة التي تصارع فيها الحق مع الباطل، فماذا كانت النتيجة؟ جولات الباطل فاشلة ومخزية وضعيفة. ولا زال الحق يصدح. وقد مرّت كل المناهج بتجاربها البشرية فسقطت وأسقطت معها من راهن عليها، وبقي الإسلام خالداً يطرح نفسه مجدداً براية عالية ومبشِّرة، ولذا قال تعالى للنبي يحيى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (مريم: 12)، فمن حمل دين الله تعالى ليحكم به، لا يعوزه معه أي شيء، فهو مسددٌ من الله تعالى ولو كان صبياً. وفي وصف أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبة له يتحدث عن صفات المتقين يقول: "فمن علامة أحدهم: أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين"(1).

3- الطمأنينة
فإذا كان السير على بصيرة، والمنهج قوياً ومتيناً يقوى به حامله، فمن النتائج الأكيدة أن يكون المؤمن مطمئناً يعيش السكينة في نفسه وروحه. فهو مطمئنٌّ إلى حسن الاختيار. وهو مطمئنٌّ إلى كماله. وهو مطمئنٌّ إلى مرضاة الله تعالى. وهو مطمئنٌّ إلى نتائج عمله. فأي سعادة أعظم من هذه الطمأنينة في الدنيا والآخرة؟ إنَّه ذكر الله تعالى الذي يحيط بحياة الإنسان ليوصله إلى الكمال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد: 28). ستوصلنا هذه الطريق إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، فهو بقية الله في الأرضين، حامل رسالات الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله، ومسار الأوصياء وهو خاتمهم، ولن يلتبس شخصه على أحد. ولا داعي للخوف من المنافقين والدجالين الذين يدَّعون المهدوية، فلكل شيء علامات تدل عليه، ورايات الحق أصدق دلالة على طريق الهدى من رايات الضلال. وعندما يحين الظهور سنعرف تماماً إمامنا بشخصه وواقعه، فعن الشيخ أبي عبد الله جعفر رضي الله عنه، عن توقيع صاحب العصر والزمان: "وليعلموا أنَّ الحقَّ معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذابٌ مفترٍ، ولا يدَّعيه غيرنا إلا ضالٌّ غوي، فليقتصروا منَّا على هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله"(2).

يعلمُ كل مؤمن ما عليه فعله أثناء الغيبة، فالأمور واضحة، والقيادة معلومة ومُنتظَرَة. فإذا ما تأخرت، فلأنَّ زمان ظهورها لم يحن بعد، ولأنَّ الثلة المؤمنة التي تمهد للظهور لم يكتمل عددها وعدتها. فهو ينتظر الظهور علينا كما ننتظره. ينتظر أن نؤدي ما علينا لنستحق هذا الظهور وتكتمل مسيرة البشرية. ففي نسخة التوقيع عن صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء: "إنَّه من اتَّقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج مما عليه إلى مستحقه، كان آمناً من الفتنة المبطلة ومحنتها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمَرَهُ بصلته، فإنَّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته، ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليُمنُ بلقائنا، ولتعجَّلتْ لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم"(3).


(1) نهج البلاغة، من الخطبة: 193.
(2) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 511.
(3) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص:40.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع