أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أول الكلام: ثقافة الحياة.. خروج من المحاق

الشيخ يوسف سرور

 



يا أيها الإنسان المسكون بهواجس العاقبة..! ما أكثر تساؤلك عن المصير، وعن نهايات الطريق الطويل المتلوي أفعوانياً، المتكسّر مساراً قلّما يعرف الاستقامة والثبات؟!.. ما أكثر التقلّبات في دهاليز الحياة..!؟ وما أعجب الانقلابات على مسارات العمر الممزوج بالحيرة.. المجبول بالقلق.. المحفوف بالمجهول من شتى الجهات..!؟

يا أيها المسكين المسكون بالأوهام المحتشدة في أفق الحياة.. الراكض خلف سراب الآمال الموعودة من لدن الخيال.. أسف على سنيِّ العمر المهدورة في بيداء الذات.. على ما مضى من الأعوام المضيَّعة في أنفاق الأنا.. الحجاب الذي يخفي كل حقائق الحياة خلفه.. آه لك أيها المغترُّ بنفسك.. المعجب بما أتتك يد القدرة من الجمال والقوام.. وما أغدقت عليك خزائن الجود من الرزق والمال، من فيض عطاءات لا تنفد..! يحسب البائس أن ما عنده هو من فعل ذاته، وأن ما أوتيه إنما كان على علم عنده. عندما يكون تفكير الإنسان ومشاريعه، آماله وطموحاته، أحاسيسه ومشاعره، حبُّه وبغضُه، رضاه وسخطه، قربه من أحد وبعده عنه... عندما يكون كل ذلك.. حارساً للذات، مستقلة عن وجود الواجب؛ عندما يكون كل ذلك في سبيل تحقيق الذات. وعندما يركب المرء في قارب الذات، مبحراً في يمِّ الحياة الهائج.. تتقاذفه أنواء الأماني، وتجرفه تيارات الكبر والغرور.. تدفعه إلى دركات الظلام، حتى يستقر أخيراً في قعر اليأس.. يرسف في مراتب الوجود، منحدراً بقوة، متجاوزاً الأنعام.. بل أضلّ.

تتراكم طبقات الحُجب فوق صفحة القلب، فوق فطرة الله التي فطر الناس عليها.. تهاجر القلوب إلى محبوبها... في سبيل مضنٍ.. رحلة الشوق والحنين.. أول حروفها أن تخلع زينة الدينا وبهارجها، لتعود فرداً بين أفراد البشر، غير محظي بميزة.. لتهوي من (أنا) ك إلى صعيد العبودية.. تخرج من بيت غرورك.. بيت نفسك لتأخذ يد الغيب بمجامع قلبك.. تمسك بتلابيب رداء الذات تنزعها.. تعرّيها من أقنعة الهوى.. لتطوف ببيت تغرّبت عن صاحبه دهراً.. فتنسى نفسك حتى تجهلها، ولا تعرف صاحب البيت بعدُ.. فتهيم على وجهك في صحراء الحيرة.. تعدو ذهاباً وإياباً.. فتصل إلى بعض مرادك وتخرج من بعض جهلك.. لتعرف بعض قدرك.. فتعرف بذلك بعضاً من قدر سيّدك. ثم تمضي إلى الفلاة.. إلى بيداء المناجاة.. باسطاً كفيّك إلى جهة العلو.. معبّراً بذلك عن مقدار علمك.. مقدار جهلك بنفسك وبسيِّدك.. معترفاً.. مقرّاً.. مغرقاً في لجة تأمُّلٍ محمومٍ على خلاف سكون الجوائح والأطراف.. يستبدُّ بك صراعٌ ضارٍ.. بين الغنى والفقر.. بين القدرة والضعف.. بين الحقيقة والسراب.. بين (أنا)ك والعدم.. تدخل في محاق الوجود شطراً من الليل.. تبيت عند حافة العدم.. ثم تخرج من محاقك صبياً.. طفلاً.. تبحث عن حصيات بكر في فلاة العمر.. ترشق بها أعمدة تنتصب أمام الأطفال.. لتحيي فيهم روح الإقدام.. الإقدام على الاعتراف.. بالفقر.. الجهل.. العبودية.. بل الاعتراف للوجود بالعدم.. ليغسل الأطفال أبدانهم بطهر العبودية.. وليغسلوا قلوبهم بهمزة وصل بالغيب.. ليعودوا أطفالاً كمن ولدتهم أمهاتهم.. وليتعلموا ثقافة جديدة في الحياة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع