مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تسابيح شهادة : زائرة الجبل

ندى بنجك

 



.. كشجرة طيبة، كانت نابتةً هناك، فوق الأرض التي شربت روحه ودمه. إلى الموقع الذي أطلق فيه رصاصه وكل إخلاصه لله حتى آخر خلجة قلب، مضت وقافلة من الأمهات، كلّهن آسراتٌ مهيبات، وهي كانت كالهرم الذي يختصر كل الصبر وكل الشكر لله. سجدت فوق الجبل، تُلامس ترابه، شوكه وورده. وفي عينيها يضيء شريط عمره الذي انتهى سريعاً ولم يَغِبْ. صلّت فوق الجبل، ومعها صلّى وجدان طفح فيه الشوق، فما عاد يهدأ.

تدندن وصوتها يرحل مع سنين غير كثيرة من عمره.. تلوّنت بدمٍ ورياحين. ويَدْفُق من وجهها نهر العاطفة.. هي الأم ولا كلمة زائدة.. كم هي مرهفة.. تمر بيدها على التراب فكأنما تمر بيدها على شَعْره.. وتبتسم للعشب لكأنما تلمح وجهه الحَسن.. وتعانق بقعة العروج الجميل، لكأنما تعانق جسده الأخضر، والروح المنعّمة في الأعلى.. كم هي مهيبة.. تحفر عيناها بعيداً ومنديلها الأسود يمتد.. يحاول أن يلامس كل الربى والوديان التي لطالما أتاها في الليالي مقاوماً.. ولم يفارقها إلا شهيداً. واقفة.. تبحث في كل لحظاته وكل ساعاته.. والدمع لا ينضب من عينيها.. والدمعُ فيه شيء غير الشوق والحنين.. فيه الحكاية التي تختصر آخر ليلة كان فيها "مهدي" حبيبها الغالي ووليدها في المنزل.

 كان الليل بعد المنتصف، الكل نائم والدار خافت الإنارة.. ولا صوت.. واستفاقت هي على همسٍ وأنين. قامت تتفقّده في أنحاء البيت.. كان الصوت من هناك من غرفة "مهدي" اقتربت وفتحت الباب الموصد لتعرف الحكاية وتفهم السرّ.. كان "مهدي" في حالة سجود يناجي ويتهجّد.. فتراجعت على الفور وقد اختلج قلبها للمشهد الذي فيه تجلّيات أكثر من حكاية قيام وأداء لصلاة الليل.. هذا "مهدي" ولدها البكر.. عمره لا يتجاوز العشرين.. شمعة العمر وطعم الفرح في حياتها.. والمدلل في كل ساعاته.. جامعيٌّ وكل آفاق الدنيا في عينيه مفتوحة.. ما الذي يسكن فيه ويجعله إن وُجِدَ بينهم لا يكون معهم؟ هي أيام قليلة.. ووصلهم كل شيء.. كلماتٌ قليلة ضمّنها "مهدي" وصيته..

"اللهم ارزقني شهادة في سبيلك مثل سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين".. .. استحضرت ذلك.. وعادت لتدمع وتتمتم: "اللهم تقبل منا هذا القربان".. وتسجد فوق التراب الذي اشتمّ دمه من جديد..
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع