إذا كنّا نعتقد بأن العمل بالقرآن هو أساس ومحور إحيائه، وأن المسألة ليست مجرد تلاوة وقراءة، فإننا نؤمن أيضاً بأنه لا بدّ من تطبيق تعاليم القرآن الكريم والعمل بآياته، وأنَّ علينا أن نجعل من مجتمعنا مجتمعاً قرآنياً، وأن يكون فكرنا قرآنياً، وأن يكون سلوكنا قرآنياً، وأن نثق بالقرآن ونعتمد عليه ونصدّق بحقيقة الوعد الإلهي الوارد في القرآن الكريم، حيث يقول تعالى في كتابه المحكم ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِه﴾ (الأنعام: 115). كما يجب علينا أن نتعامل بنَفَس القرآن وروحه مع أنفسنا، ومع أفراد عائلتنا، ومع زملائنا في العمل، ومع أفراد المجتمع، ومع مسلمي البلدان الأخرى، والسلطات، والشعوب، وما إلى ذلك من أمور. إنّ إحياء القرآن الكريم والعمل به وإجلاله كلّها ممّا نعتقد ونؤمن به، ولكن هذا لا يعني أن نقلل من شأن تلاوته. نسمع أحياناً من يقول: إنه لا بدّ من التأسّي بالقرآن؛ وهذا صحيح، ولكنه لا يعني في نفس الوقت التقليل من شأن قراءة القرآن الكريم وتلاوته. إنّ تلاوة القرآن تمثّل حلقة في مجموعة ومنظومة تتصل ببعضها البعض؛ وهذا ما يجب علينا الاهتمام به وتقديره.
* سُبُل تدبُّر القرآن الكريم:
إن علينا أن نُقبل على تلاوة القرآن الكريم، وأن نفهم معانيه في نفس الوقت، وإذا ما فهمنا معاني القرآن استطعنا تلاوته بصورة أفضل. إذاً... فعليْكم أولاً: بتجويد القراءة وتحسين التلاوة، وثانياً: عليكم بفهم معاني ما تقرأون، وثالثاً: عليكم بحفظ القرآن الكريم؛ فإن حفظه من الأمور المهمة. إنكم تحتاجون إلى ذلك وتقدرون عليه؛ وعندما تحفظون القرآن وتكررون آياته وتأنسون بتلاوته، فإن هذا سيمنحكم فرصة التدبّر فيه. إنّ التدبّر في القرآن لا يتأتّى من القراءة السريعة المتعجّلة، ولا من التلاوة مرّة أو مرّتين، بل من خلال التكرار والإعادة المتواصلة والشعور بالأنس مع الآيات القرآنية، وكم من دقائق وعِبَر في القرآن الكريم لا يمكن التوصّل إليها إلا بالتدبّر؟ ولهذا فإنه من الضروري حفظ وفَهْم معاني القرآن مع تلاوته.
* المجتمع الإسلامي القرآني:
إنّ تلاوة القرآن إذا ما أصبحت ظاهرة شعبية واستطاع الجميع أن يقرأوا القرآن بصورة صحيحة، وإذا ما انتشرت هذه الظاهرة بين العوائل وفي المنازل، فإن أملنا سيزداد في أن يغدو مجتمعنا مجتمعاً إسلامياً وقرآنياً بمعنى الكلمة. وكلما استطعنا أن نوسّع من دائرة المعرفة الإسلامية والروح الإسلامية والإدراك الإسلامي فإن المكاسب ستزداد بطبيعتها.
* الإسلام مصدرٌ للفخر والاعتزاز:
لقد باتت الشعوب المسلمة - والحمد لله - تشعر بالاعتزاز بالإسلام، وهذا في غاية الأهمية. لقد مرّ يوم على هذه البلاد وسواها من بلدان العالم الإسلامي كانوا يعتبرون فيه الإسلام عاراً، وكان الشباب لا يشعرون بالفخر بانتمائهم للإسلام, حيث كانوا يصمونهم بالعار إذا قالوا باسم الله أو إذا أدّوا صلاتهم أمام الآخرين. لقد كان الفخر كل الفخر بالانتماء والتبعية للغرب أو الشرق. وأما الآن فقد تغيّر كل شيء، فالمعسكر الشرقي سقط، والمعسكر الغربي يواجه المزيد من الفشل يوماً بعد آخر ويفقد مصداقيته وشخصيته أمام العالم، وقد جلب أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الخزي والعار لأنفسهم في كل مكان. إنّ الإسلام يزداد تألّقاً على الدوام، وها هي شمسه تسطع مشرقة في الآفاق العالية. إنّ الشعوب المسلمة تشعر بالفخر والاعتزاز بانتمائها للإسلام في كافة الأقطار الإسلامية، من شمال أفريقيا إلى شرق آسيا، ومن أندونيسيا إلى ماليزيا إلى الهند وباكستان وبنغلادش، ومن بلدان شرق آسيا إلى الشرق الأوسط والبلدان العربية وتركيا إلى بلدان أفريقيا، سواء منها البلدان العربية أو غير العربية، حيث يعيش المسلمون والشباب المسلمون ويشعرون بالاعتزاز بالإسلام. إنّ الإحساس بالاعتزاز هو الذي يمنحهم النصر، وإلاّ فكيف حقق حزب الله لبنان ذلك الانتصار الساحق على جيش مدجّج بالعدّة والعتاد ويحظى بدعم القوى الكبرى العالمية، وذلك من دون أن تتوفّر لحزب الله تلك التغطية والأوراق السياسية والعسكرية والاقتصادية المتداولة في عالم اليوم؟ إنّ ذلك بفضل الإسلام والثقة بالنفس.
* الثمار الطيبة:
إنّ معنى العمل بالإسلام وتصديق القرآن الكريم وتحقق الوعد الإلهي هو: أن نثق بالقرآن المجيد عندما يقول ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40) أو عندما يقول ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ (يوسف: 21). إنّ هذه المعرفة القرآنية هي التي تمنحنا مثل تلك الثقة، وعندها تتجلّى الآثار والنتائج في نهضة الشعوب، واضمحلال القوى الجائرة يوماً بعد يوم، وفشل مؤامرات المعتدين والمستكبرين ضدّ البلدان المسلمة؛ فعلينا أن نأنس بالقرآن الكريم، وأن نثق بما فيه، وأن نتدبّر آياته. إنّ الاهتمام بالقرآن الكريم في بلدنا يسير قُدُماً بصورة جماعية يحدوها العزم والتصميم، فلا ينبغي أن تتوقّف هذه المسيرة أبداً. وإنني أوصيكم أيها العاشقون للقرآن والفخورون به: بأن تواصلوا هذه المسيرة وهذا النهج المبارك، وستجدون أنّ ثماره الطيّبة ستغمركم وتغمر شعبكم وبلدكم على الدوام إن شاء الله. اللهم أحينا بالقرآن، وأمتنا مع القرآن، واحشرنا مع القرآن. اللهم اجعل قولنا قرآنياً وعملناً قرآنياً. اللهم ارزقنا روحاً قرآنية ومعرفة حقّة بالقرآن واجعلنا من خدّام القرآن. اللهم أكتب الهزيمة والنكسة على أعداء القرآن والمتآمرين على القرآن والمبغضين لاستمرار وجود القرآن في المجتمع الإسلامي.
(*) مقتطف من كلمة ألقيت خلال لقاء مع قرّاء القرآن في 26/9/2006م