الميرزا جواد آغا الملكي التبريزي
هو شهر محرّم الحرام، الذي تكتسي فيه السماء والأرض بالحِداد والسواد حزناً على سبط رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام الحسين عليه السلام، فتظهر في قلب الموالي ووجهه آثار الحزن والتفجّع من هذه المصائب الجليلة والرزايا الفجيعة، ويترك بعض ملذّاته في مطعمه ومشربه، ومنامه وكلامه. ولعظمة هذا الشهر عند الله سبحانه وتعالى، ينبغي للمؤمن مراعاة بعض الأمور لتكون رصيداً في ميزان أعماله يوم القيامة، لكنّ الأهم، أنّها مظهر للحرارة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها: "إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"(1).
•ما يُستحسن فعله في العشر الأوائل
1- ترك الإدام: ترك الإدام (ما يؤكل بالخبز أو يُخلط معه لتطييبه) في العشر الأوائل، وتناول الخبز الخالي فإن لم يستطع في العشرة كلّها، فليتركه في اليوم التاسع، والعاشر، والليلة الحادية عشرة.
2- زيارة عاشوراء: قراءة الزيارة المعروفة بـ(عاشوراء) كلّ يوم.
3- إقامة العزاء بنيّة خالصة: فإن قدر المُوالي على أن يقيم عزاءه عليه السلام في بيته خالصاً لله فليفعل، وإلّا ففي المساجد أو بيوت أصدقائه، وأن يحضر بعض يومه في مجامع العزاء ويخلو في الباقي، ويكون نظره في الحزن والبكاء مواساة أهل البيت عليهم السلام، وما أصاب الحسين عليه السلام من جهة الأعداء من الصدمات الظاهرة، ما لم يصَب مثله أحد من الأنبياء والأوصياء، بل أحدٌ من العالمين، ولكن كان يصل مع ذلك إلى روحه الشريف من بهجات تجلّيات أنوار الجمال، وكشف سبحات الجلال، وشوق اللقاء والوصال، ما يهوّن به تلك الشدائد، بل يحوّل شدّتها إلى اللذّة. وأن يدعو للقراءة قارئاً صادقاً متّقياً، ويسوّي في إكرام الحاضرين من الأغنياء والفقراء، وتكون اعتباراته دينيّة لا دنيويّة.
4- المواساة بالحزن: فليُظهر من كان من أوليائه أيضاً من المواساة بسيّد السادات بالحزن والفجيعة ما يناسب هذه المصيبة الجليلة، فكأنّها وردت على نفسه، وعلى أعزّته، أولاده وأهله، فإنّه عليه السلام أولى به من نفسه بنصّ جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ... أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ﴾ (التوبة: 24).
ويقول في صادق المقال ولسان الحال: يا سيّدي, يا ليتني كنت فداءً لك من جميع البلايا، وجلّ هذه الرزايا، فيا ليت أهلي وأولادي كانوا مكان أهلك وأولادك مقتولين مأسورين.
فإن لم تجد نفسك تسمح بمثل هذه المواساة، فلا تُظهر الدعوة الكاذبة، ولا تقل: يا ليتني كنت معك، وأُقتل دونك، وفزت فوزاً عظيماً، إن لم يصدّقك حالك بحقيقة هذا التمنّي أيضاً، فعالج مرض قلبك من حبّ هذه الدنيا الدنيّة، والركون إلى حياتها، والاغترار بزخارفها، وتأمّل فيما خاطب الله به اليهود، واقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الجمعة: 6).
5- دعاء أوّل الشهر: فإنّه من جهة كونه أوّل السنة مؤكّد عند التأمّل الصادق، للعبد المراقب، ولا سيّما للعافية والاحتراز من آفات السنة، الدينيّة والدنيويّة، واستصلاح الحال فيها، واستجلاب الخيرات، وقضاء الحاجات.
6- الصلاة ركعتين: الأولى أن يصلّي في الليلة الأولى من الصلوات الواردة -أيضاً- بعضها على حسب نشاطه، فلا أقلّ من الركعتين اللتين يقرأ فيهما الحمد وإحدى عشرة مرّة "قل هو الله أحد"، ويدعو بالدعاء المرويّ في الإقبال "الله أنت الإله القديم وهذه سنة جديدة"(2)، الذي دعا به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلاة ركعتين.
7- الزيارة: ثمّ إنّه مِن اللوازم زيارة أهل بيته المستشهدين بين يديه وزيارة أصحابه الشهداء، ولا سيّما المأثورة، وإقامة عزائه عليه السلام.
8- المبيت عند قبر الإمام الحسين عليه السلام: ثمّ إنّه يتأكّد البيتوتة ليلة العاشورا عند (قبر) الحسين عليه السلام. وعن شيخ الطائفة فيما رواه عن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشورا، لقي الله يوم القيامة ملطّخاً بدمه، وكأنّما قُتل معه في كربلا"(3).
المهمّ في الأبواب كلّها أن يراقب الإنسان فيما يعمله أن يكون بنيّة ولا يكون على الرسم والعادة، وأن تكون النية خالصة، ويكون صادقاً في إخلاصه؛ فإنّ العمل القليل عن نيّة خالصة صادقة خير من الأعمال الكثيرة الخالية عنها، وإن بلغ كثرتها بآلاف أضعافها.
•تقوى القلوب
والمرجوّ لمن راقب أمثال هذه الأيّام بتعظيم وإجلال، أن يدخل في زمرة من وصفهم الله جلّ جلاله في كتابه الكريم بتقوى القلوب حيث قال: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32). فإنّ تأثيرات المراقبات إنّما تكثر وتعظم بالأمور الدقيقة اللطيفة، وكلّما زاد اللطف والدقّة، ازداد العمل شرفاً ونوراً، فالشكر عند احتمال النعمة (و) لطفه في المراقبة على الشكر عند يقينها لا يخفى على ذوي الألباب فكيف بربّ الأرباب؟!
•دار السلام
إنّ للخروج من حمى ملك الملوك تعالى حقّاً للعبيد، ومن حقّه أن يناجيه تعالى بواسطة خفير يومه من المعصومين، ويعترف أوّلاً بأنّي لم أكن مستحقّاً لهذا الأمان، بل كنت أستحقّ بأعمالي وحالاتي وملكاتي كلّها منك الخزي والهوان، بل العذاب الأليم، فبفضلك الذي ابتدأت به ذلك الأمان، وتفضّلت على عبيدك بالشهر الحرام، لا تُخرجنا بخروجه من أمانك وحماك، حتّى توصلنا إلى دار السلام، ولا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقّ أداء شكرك، ورعاية أدب حرمته، بل عاملنا بكرم عفوك الذي يبدّل السيئات بأضعافها من الحسنات، ويوصلنا إلى رفيع الدرجات، ويختمها بالصلوات والمشيئة.
(*) مقتبس من كتاب المراقبات.
1.مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي، ج10، ص318.
2.راجع: إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج3، ص44.
3.بحار الأنوار، المجلسي، ج95، ص340.