نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخلاق: وصايا للسعادة

آية الله مكارم الشيرازي

 


اعلم أن للقراءة في هذا السفر الروحاني والمعراج الإلهي (أي الصلاة) مراتب ومدارج نكتفي بذكر بعضها:
المرتبة الأولى: ألا يشتغل القارئ إلا بتجويد القراءة وتحسين العبارة، ويكون همّه التلفّظ بهذه الكلمات فقط وتصحيح مخارج الحروف حتى يأتي بتكليف ويسقط عنه أمر، وهذه الطائفة داخلة في الصلاة بحسب الصورة ولكنهم بحسب الباطن والحقيقة مشغولون بالدنيا ومآربها والشهوات الدنيوية، ويتفق أحياناً أن قلوبهم أيضاً مشغولة بالتفكر في تصحيح صورة الصلاة ففي هذه الصورة قد دخلوا في صورة الصلاة بحسب القلب واللسان، وهذه الصورة منهم مقبولة ومرضية.

المرتبة الثانية: هم الذين لا يقتنعون بهذا الحد بل يرون الصلاة وسيلة لتذكر الحق ويعدّون القراءة تحميداً وثناء على الحق، ولعله أشير إلى هذه الطائفة في الحديث الشريف القدسي "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي وإذا قال الحمد لله يقول الله حمدني عبدي وأثنى عليّ وهو معنى سمع الله لمن حمده. وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله عظّمني عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله مجّدني عبدي، وفي رواية فوّض إليّ عبدي وإذا قال إيّاك نعبد وإيّاك نستعين يقول الله هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم يقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". وحيث أن الصلاة قد قسمت بحسب هذا الحديث الشريف بين الحق والعبد فلا بدّ للعبد أن يقوم بحق المولى إلى حيث حقّه ويقوم بأدب العبودية الذي ذكره في هذا الحديث حتى يعمل الحق تعالى شأنه معه باللطائف الربوبية كما يقول تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ.

* أركان العبودية:
والحق تعالى قد أقام آداب العبودية في القراءة على أربعة أركان:

- الركن الأول: التذكر، ولا بد أن يحصل في بسم الله الرحمن الرحيم ويعوّد القلب أن يكون طالباً للحقّ ومحبّاً للحق ويحصل هذا المقام من الخلوة مع الحق وشدّة التذكر والتفكر في الشؤون الإلهية حتى ينتهي إلى حدّ يكون قلب العبد حقانياً ولا يكون في جميع زوايا قلبه اسم سوى الحق. وتكفي لأهل المعرفة والجذبة الإلهية وأصحاب المحبة والعشق الآية الشريفة الإلهية ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وقال الله تعالى لموسى (يا موسى أنا جليس من ذكرني).. وفي رواية الكافي قال رسول الله صلى الله عليه وآله "من أكثر ذكر الله أحبه الله" وفي الوسائل باسناده إلى الإمام الصادق عليه السلام: قال الله عزّ وجلّ: (يا بن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا بن آدم اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء يا بن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك). وقال: "ما من عبد ذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة".

- الركن الثاني: التحميد وهو في قول المصلّي الحمد لله رب العالمين.
اعلم أن المصلّي إذا تحقق بمقام الذكر ورأى جميع ذرّات الكائنات وعوالي الموجودات ودوانيها أسماء إلهية وأخرج عن قلبه جهة الاستقلال ونظر إلى الموجودات عوالم الغيب والشهود بعين الاستظلال تحصل له مرتبة التحميد ويعترف قلبه أن جميع المحامد من مختصات الذات الأحدية وليست لسائر الموجودات فيها شركة لأنه ليس لها كمال من عند أنفسها حتى يقع الحمد والثناء لها.

- الركن الثالث: هو التعظيم، وهو يحصل في الرحمن الرحيم.

- الركن الرابع: الذي هو مقام التقديس الذي هو حقيقة التمجيد.
وبعبارة أخرى تفويض الأمر إلى الله، وهو عبارة عن رؤية مقام مالكية الحق وقاهريته وزوال غبار الكثرة وانكسار أصنام كعبة القلب، وظهور مالكيّة بيت القلب والتصرف فيه بلا مزاحمة الشيطان، ويصل في هذه الحالة إلى مقام الخلوة. ولا يمكن بين العبد والحق حجاب وتقع إياك نعبد وإياك نستعين في تلك الخلوة الخاصة ومجمع الأنس، ولهذا قال: هذا بيني وبين عبدي وإذا اشتملته العناية الأزلية وأفاق يسأله الاستقامة في هذا المقام والتمكين في حضرته بقوله اهدنا الصراط المستقيم، ولهذا فسّر اهدنا بألزمنا وأدّبنا وثبّتنا وهذا لأولئك الذين خرجوا من الحجاب ووصلوا إلى المطلوب الأزلي. وأما أمثالنا نحن أهل الحجاب لا بد وأن نسأل الهداية من الحق تعالى بمعناها المعروف. والعبادة التي خلت عن اللذة والحلاوة عبادة بلا روح ولا يستفيد القلب منها. فيا أيها العزيز آنس قلبك بآداب العبودية وأذق ذائقة الروح حلاوة الذكر، وهذه اللطيفة الإلهية تحصل في بدء الأمر بشدة التذكر والانس بذكر الحق، ولكن في حال الذكر لا يكون القلب ميّتاً ولا تستولي عليه الغفلة، فإذا آنست قلبك بالتذكر فتشملك العنايات الأزلية بالتدريج ويفتح على قلبك أبواب الملكوت وعلامة ذلك التجافي عن دار الغرور والانابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل حلول الفوت. اللهم أعطنا نصيباً من لذة مناجاتك وحلاوة مخاطباتك واجعلنا في زمرة الذاكرين والمنقطعين إلى عزّ قدسك، وهب لقلوبنا الميّتة حياة دائمة واقطعها عمّن سواك ووجهها إليك إنك ولي الفضل والأنعام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع