صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

شهيد الوعد الصادق سامر محمد نجم(ساجد)

نسرين إدريس قازان

 



اسم الأم: رجاء دهيني
محل وتاريخ الولادة: الطيبة 16/ 06/ 1977
رقم السجل: 631
محل تاريخ الاستشهاد: مارون الراس 25/ 07/2006

والنجمِ إذا هوى فوق تراب مارون! اكتمل البدرُ، وارتسمت بسمةٌ على ثغر أيامٍ هدّها الحزن والصمت، وسجد الزمن لله شكراً واعترافاً له بالعبودية. في مارون الراس حكى سامر كلّ ما في قلبه، أخبر السماء والشجر والتراب عن عشقه الأوحد، حفر على الجدران برصاصاته حكايات شوقه، أَوَلَيس هو من حمل البندقية في فتوَّته، آملاً مجاورة الإمام الحسين عليه السلام؟  ها قد طوى الأيام وهو يجاور الموت، يصاحبه من مكانٍ إلى آخر، ولكنه ما فتئ يعود إلى مقعد الانتظار، ذاك الذي ضيّق خناقه عليه بعد رحيل أغلب الرفاق شهداء! كان سامر عائداً وأهله من مدينة بنت جبيل، حينما ترجّل من السيارة في مدينة صور ليودّعهم متوجهاً إلى عمله. آنذاك، كان يتهيّأ ليقلبَ صفحاتِ حياته على بداياتٍ جديدة، ويستلَّ من حبر الأمل ما يملأ به سطوراً أنهكها الألم، فوقف متأمِّلاً سيارة والده ملوِّحاً لوالديه ولابنته التي سرعان ما استقرّت عيناها في فؤاده، فهرع خلف السيارة، فظنّ والداه أنه نسي شيئاً ما، غير أنّه ضمّ نور الزهراء، وقبّلها، وشمّها! ولم يكن ليخطر في بال أحدٍ منهم أنّ هذا هو اللقاء الأخير لهم.

* أمُّه تحضّر له حقيبته
عاش سامر أيام جهاده بصمتٍ وسرِّية. التحق بصفوف التعبئة العامة، بعد أن ترك صفوف الكشافة. كان في السادسة عشرة من عمره، حين جاء إلى البيت حضَّر حقيبة دورته العسكرية الأولى، ونظرات أمه الحزينة تلاحقه. قبّل يدها، وتوسّل إليها طالباً منها السماح له بالرحيل، غير أنها رفضت خوفاً عليه، فخرج إلى صديقه الذي كان ينتظره في الخارج، وهو الشهيد حسن سلامة، وأخبره بما حدث معه، فدخل حسن، وتحدث مع أم سامر كلاماً طيباً عن عاشوراء، ومعانيها الراسخة في الأعماق، فعرفت أنّ ما يجب أنْ تقوم به هو أكبر من مشاعر الأمومة، حينها وقفت تلوّح لابنها الذي لم يفوّت بعد ذلك فرصة الالتحاق بأية دورة عسكرية، حتى أصبح في عديد القوة الخاصة، وصارت، بعد ذلك، هي من تحضِّر له حقيبته.

* تنفّس عبق فلسطين
حاول سامر أن يعمل إلى جانب التحاقه بالتعبئة العامة، ولكنه لم يفلح، فغيابه المتكرر عن العمل، واستفسار مديره عن غيابه المتكرّر، عرّف والديه أنه لا يذهب إلى العمل يومياً كما يظنّان، بل إلى حيث يُعقد نشاطٌ ثقافي، أو جهادي له صلة بالتحاقه بصفوف المقاومة، وسرعان ما أخبر سامر والديه أنه لا يريد عمل أي شيء في هذه الدنيا سوى الجهاد.  وفي صفوف المجاهدين في مليتا، وفي عمق الشريط الحدودي، تنفس عبق فلسطين. وعلى مختلف المحاور التي قارعت العدو الصهيوني، كان سامر أسرع من يُذَخِّر بالرّصاص، وأمهر من يصوّب على الهدف، إلى أن انضم إلى عديد القوة الخاصة التي تُوكَل إليها مهمات حساسة وخطيرة.

* بين أهله والرفاق
عندما يعود سامر من العمل، لا يهمل لحظة واحدة ليعّوض والديه وإخوته غيابه، فيساعد أمه في الأعمال المنزلية، ويُصرُّ خلال شهر رمضان المبارك أن يغسل الأطباق بعد الإفطار، قائلاً لها: عملك قبل الإفطار، وعملي بعده. ويجالس والده وإخوته ويستمع إلى أحوالهم، بل يحرص على متابعة شؤونهم وحلّ مشاكلهم.  كان سامر يبادر إلى مساعدة رفاقه بأسلوب لطيف، ويعطي ما في جيبه لغيره، من دون أن يترك لنفسه شيئاً، حتى أجرة المواصلات، فيمشي مسافة طويلة، والفرحة تغمر قلبه.

* "نور الزهراء"
تزوج سامر، وأنجب طفلة أسماها "نور الزهراء"، لشدّة تعلقه بالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد عُرِف عنه أنه مَنْ أراد أن ينال من سامر شيئاً بلا تعب، فما عليه سوى أن يذكر اسم السيدة فاطمة عليها السلام. قضى سامر معظم أوقاته في المحاور، وعُرف بشجاعةٍ وإقدام قلّ نظيرهما. شارك في العديد من العمليات العسكرية النوعية، كما أنه شارك في عملية الغجر 2005، وبعد تلك العملية صار سامر وثلّة من رفاقه كالطلقة في بيت النار، ينتظرون لحظة الصّفر التي ينفذّون فيها عملية أسر، تحقيقاً لوعد السيد حسن نصر الله حفظه الله. وجاءت تلك اللحظة، شعر سامر حينما نظر إلى نور الزهراء أنها المرة الأخيرة التي سيراها، وكتب لها بحبر قلبه سطوراً في وصية، يطلبُ إليها أن تسامحه، وأن تفهم وتعي المعنى الحقيقي لرحيله. أما أمُّه التي عاشت أيامها على شُرفة الانتظار حيناً، ورهينة لرنة هاتفه حيناً آخر، فقد ربتَ على كتفها، وذكّرها بأن تنتبه لابنته؛ لأنها ستعيش يتيمة.

* حتى آخر طلقة
ومن عيتا الشعب، حيث شارك سامر بعملية أسر الجنود الصهاينة، إلى قرية مارون الراس، حيث قرّر العدو الصهيوني أن يكتب انتصاراً له بين جدران منازلها القديمة، تصدى سامر مع ثلّة من الذين باعوا لله جماجمهم، فواجهوه من بيت إلى بيت، ومن حقل إلى حقل. دمّروا له الدبابات، وقتلوا له الجنود، واستطاع سامر أن يأتي بجندي أسيرٍ على قيد الحياة، لكن مجريات المعركة هناك، عاقت إيصاله إلى حيث ينبغي. كانت حرباً ضروساً بكل ما للكلمة من معنى، وأياماً لم يرضخ فيها المجاهدون لآلة الحرب المدمّرة، حتى إذا ما جاء طلبُ الخروج من مارون لأن الذخيرة نفدت، وطريق الإمداد صعب، ولأنّ ما تلقاه العدو يجعل من احتلاله لها هزيمة ثبت سامر ومن معه، وقالوا إنهم دخلوا مارون ليبقوا فيها حتى آخر طلقة رصاص وحتى آخر نفس! هي أسطورة من أساطير الحرب... مارون الراس، القرية التي تجاور القمر، وفي تلك الحرب الضروس هوى القمر فوق ترابها، نازفاً دماه الساخنة، لتحلّق روحه في السماء.

* من وصية الشهيد
"طفلتي الحبيبة؛ كنت أتمنى أن أراكِ تكبرين أمامي وأُناغِيك، وأُقبّل عينيك اللَّتين عشقتهما منذ ولادتك، ولكن شوقي للقاء الله، والدفاع عن الإسلام العظيم، حال دون ذلك. حبيبتي، عندما أكون في عملي أشتاق إليك كثيراً، وأتمنى أن أكون إلى جانبك، أمسح بيدي شعرك الجميل، وأنت تضعين يدك على وجهي! عزيزتي، لقد أسميتك نور الزهراء لتعلّقي الشديد بمولاتي المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام، فكوني عزيزتي زهراء كما تريد الزهراء عليها السلام".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع