د. غضنفر ركن آبادي
إعداد: إبراهيم منصور
الكتاب(1) في الأصل أطروحةٌ للدكتوراه، تقدَّم بها السفير ركن آبادي من كلية الحقوق والعلوم السياسية، في الجامعة اللبنانية، تعتمد الشمول ومعالجة الموضوع من شتى جوانبه، كما جاء في مقدّمتها. وتكمن أهميتها في كونها تُقدِّم الجمهورية الإسلامية ودستورها في أطروحة جديدة. لقد جعل المؤلِّف كتابه هذا في بابَيْن كبيرين:
الأول: النظام السياسي في الإسلام، والثاني: النظام السياسي في إيران، وعلاقته بالنظام السياسي في الإسلام. وجعل كل باب في عدّة فصول، وكل فصل في عدّة مباحث.
أولاً: النظام السياسي في الإسلام
أما في الفصل الأول، من الباب الأول، فقد تحدّث عن مفهوم النظام السياسي. ثم بدأ الكاتب في المبحث الأول من هذا الفصل تعريف النظام السياسي بأنه: مجموعة من القواعد والأجهزة المتناسقة المترابطة فيما بينها. ويلاحظ في النظام السياسي ثلاثة عناصر:
1- السلطة السياسية.
2- نظام الحكم.
3- الجماعة السياسية (الأحزاب والحركات السياسية).
ثمّ تحدّث الباحث عن النظام الإسلامي الذي تأسّس في المدينة المنوّرة، بُعَيْدَ هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله إليها عام 622م. واعتبر أن النظام السياسي الإسلامي قد امتلك فرادته من عنصرين أساسَين: العدالة والأخلاق ورفضه مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الباطلة.
* ميزة النظام السياسي الإسلامي
أمَّا في الفصل الثاني: النظام السياسي في الفكر الإسلامي، فيستهلُّه الكاتب بأنّ الدين الإسلامي يتميَّز عن غيره من الأديان، سواء السماوية أم الوضعيّة، بأنه يُعالج أمور الماورائيات والقيم الأخلاقيّة، وأمور الدّنيا أيضاً. "فقد قدَّم الإسلام نفسه على أنّه حركة إصلاحية للبشريّة، تعالج نفوسهم ومجتمعهم ودنياهم، وأنّ رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله أُرسل للناس كافّة؛ للقيام بإصلاح جذري، وليقيم أصولاً جديدة للبشرية. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سبأ: 28). وفي المبحث الثالث: المفكّرون الإسلاميون، يرى الدكتور ركن آبادي، كغيره من المسلمين، "أن القرآن الكريم يحتوي دستور الدولة، وفيه الخطوط العريضة للنظام السياسي الإسلامي. وقد وضع القرآن كليَّات احتاجت في تخصصها إلى فروع، اعتمدت على أمرين: السنّة النّبويّة، والاجتهادات في تأويل نصوصه، ومن هنا نبع الخلاف الإسلامي حول الجانب السياسي في هذا الدستور"(2).
* مدرسة أهل البيت عليهم السلام وولاية الفقيه
ويتّخذ الدكتور ركن آبادي من فقه الإمام الخميني قدس سره نموذجاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام في النظام السياسي الإسلامي المنطلق من قاعدة الولاية، استقاءً من الآية الشريفة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55). ينقل الكاتب أن السيد الطباطبائي قدس سره في كتابه (الميزان في تفسير القرآن) يرى أن الله تعالى قد عيّن الإمام علياً عليه السلام ولياً للمسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وآلهما يحمل بُعداً سياسياً في مسألة الخلافة وتداول السلطة. وعليه فإن روح الله الخميني قدس سره ومدرسته الفكرية، والعديد من المفكّرين الشيعة الحديثين، يبحثون مسألة الخلافة، بعد أن تمَّ الاتفاق على ضرورة بناء النظام السياسي الإسلامي في عهد الغيبة الكبرى. فقد بنى الإمام الخميني قدس سره نظريّته على ضرورة قيام الحكومة التي تنفّذ الشريعة، وأنّ الذي يتولّاها يجب أن يكون الفقيه العادل الجامع للشرائط، وأنّه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلى الله عليه وآله، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا (3). ويؤكّد الكاتب أن المسلمين سنّةً وشيعة، استندوا إلى قاعدة القرآن والسنّة في بناء النظام السياسي؛ لأن الإسلام كالإيديولوجيا، هو دين وسياسة في عرف الجميع.
ثانياً: السياسة في إيران
في الفصل الأول، من الباب الثاني، يلقي الدكتور ركن آبادي نظرة إلى تاريخ إيران السياسي، يرى خلالها أن الدّولة الصفوية لم تفرض التشيّع بالقوّة على الشعب الإيراني الذي كان معظمه شيعياً. وبعد سقوط الدولة الصفوية وتولِّي الأسرة القاجارية للسلطة عام 1795م، برزت المؤسّسة الدينية الشيعية كقوة مؤثرة في المجتمع، وازدادت قوة في العهد البهلوي، حتى تمكّنت في العام 1979م من القيام بالثورة بقيادة الإمام الخميني قدس سره. عندئذٍ بُني النظام السياسي في إيران، بعد إعلانها جمهورية إسلامية، على الأُسس التي تضمنها كتاب الإمام الخميني قدس سره "الحكومة الإسلامية" وكتب آخرين (آية الله منتظري، وآية الله خامنئي دام ظله. لقد كان حجر الزاوية في هذا النظام، تلك الأسس التي سار عليها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام طيلة خلافته، ومن قبله سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله في سيرته السياسية، وبإعلان الالتزام بحتميّة ولاية الفقيه في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي، محمد بن الحسن عليه السلام، على قاعدة الولاية النائبة عن الإمام الغائب، ما اعتبره مفكرو النظام أساساً صالحاً لتكوين جمهورية إسلامية. وقبل الخوض في تفاصيل النظام السياسي الإيراني يورد الكاتب نبذة عن الإمام الخميني قدس سره، ثم يقول: لقد تمكّن الإمام الخميني قدس سره من الحفاظ على الوحدة الوطنية لإيران في زمن الفوضى التي أعقبت الثورة، وجاء التفاف الجماهير حوله مؤشراً بارزاً على نجاح مشروعه الإسلامي، سواء في الحرب أم البناء؛ لتصبح إيران قوَّة صناعيّة وتقنيّة واقتصاديّة بارزة في منطقة الشرق.
* الإسلام دينٌ ودولة
يستهّل الدكتور ركن آبادي، الفصل الثاني، بشعار: الإسلام دين ودولة، وعليه فإن القرآن الكريم هو الدستور الأوحد أو الأعلى للدولة الإسلامية. ويتألف الفصل من المواد 1- 14، ويحتوي على الأصول العامة لبنية الدولة الإسلامية. "النظام جمهوري إسلامي قائم على مبادئ التوحيد، العدل، النبوة الإمامة والمعاد. كما تؤكّد مواد هذا الفصل على حرية وكرامة الإنسان، واجتهاد الفقهاء من القرآن وسُنن المعصومين، وإلغاء أي نوع من الظلم، ورفض الخضوع له، وإقامة العدل في المجتمع في ظل الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي، ضمن وحدة المجتمع الإسلامي الذي يُناط بحكومته أهداف خلق مجتمع صالح"(4).
* كلمة أخيرة
يُعتبر هذا الكتاب "الإسلام والنظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية" حُجَّةً في السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والمواد الدستورية لهذه الدولة الإيرانية العظيمة التي استطاعت، في زمن قياسي، أن تصبح من الدول المؤثّرة والفاعلة في محيطها والعالم. إنّ هذا الكتاب يدل على ثقافة صاحبه وعلومه الغزيرة وبُعد نظره، كما إن أسلوبه العلمي وموضوعيته تجاه المسائل المطروحة، لم يحولا دون إبداء آرائه الشخصية في مختلف المواضيع. وغنيٌّ عن القول: إن هذا الكتاب يسدُّ ثغرة في جدار المكتبة العربية والإسلامية، وهو جديرٌ بأن يُقرأ.
1.الإسلام والنظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، د. غضنفر ركن آبادي، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط 1، 2011، ص 90.
2.م. ن، ص 117.
3.يراجع: الحكومة الإسلامية، روح الله الخميني، دار الطليعة، ص 45.
4.الإمام الخميني فكره والتغيير الذي أحدثه، د. ناصيف نعمة، أطروحة دكتوراه في الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، ص 378.