لا شك أن كل إنسان مكلّف بحفظ عزّته وكرامته. وهو ليس مختاراً أن يريق ماء وجهه، فالمسؤولية هنا ليست مسؤولية شخصيّة، بل هي واجب عام. فعلى الجميع أن يحفظ عزّته وكرامته لأنه إذا جُرحت كرامتي أو كرامتكم فإنّ أمر ذلك لا يبقى في حدود كرامة نفس الإنسان وإنما نحن بذلك نعرّض أيضاً ديننا للإهانة. إن علينا نحن الذين أقمنا الجمهورية الإسلامية وعلت أصواتنا بأننا نرفض الظلم ونريد العدل، علينا أن نقيم العدل، ولا نعمل ما يخالف مجرى العدالة لأنه إن حصل ذلك وهُزمت الجمهورية الإسلامية، دُفن الإسلام. وبعد ذلك لا تحسبوا أنكم تستطيعون إقامة دولة ثانية، لذا فإن هذه المسؤولية عظيمة، إنها مسؤولية الأنبياء والأولياء الذين بذل جميعهم دماءهم لحفظ ذلك.
لقد وهب الجميع دماءهم لحفظ الدين سواء الأنبياء السابقون أم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي تعلمون تاريخه المليء بالجهاد والتضحيات لحفظ الدين ولئلا ينتابه اعوجاج في أي وقت من الأوقات. حتى سيّد الشهداء عليه السلام الذي ثار إنما ثار حتى لا يخفي معاوية وابنه الإسلام. لقد كان حكّام ذلك الزمان أئمة جمعة وجماعة وخطباء، وشاربين للخمر وكل شيء، ولهذا كاد الدين يذهب.
* مدرسة سيد الشهداء
ليس ذنب يزيد الوحيد أنه قتل سيّد الشهداء، فهذا من صغائره، ولكن كبائره أنه أخفى الإسلام، فيما سيّد الشهداء أغاث الإسلام وأنقذه. ومجالس عزائه إنما لحفظ مدرسته. الذين يقولون لا تقرأوا نعي الحسين لا يفهمون أصلاً ما هي مدرسة سيّد الشهداء، ولا يفقهون ما تعني، لا يعلمون أنّ هذا البكاء والحزن قد حفظا هذه المدرسة كما حفظتنا المنابر والمآتم واللطم. بعض الشباب، يتحدثون بحسن نيّة، يرون أن علينا أن نتحدّث بلغة اليوم. إن كلام سيّد الشهداء، بنظرنا كلام اليوم. وسيّد الشهداء هو من جاء بكلام اليوم إلى الأبد ووضعه بين أيدينا. وهذا البكاء هو الذي حفظ سيّد الشهداء ومدرسته. هذه المصائب واللوعات واللطم والآهات هي التي حفظتنا، ولو جلس العالم الزاهد وحده داخل حجرة في بيت يتلو زيارة عاشوراء ويسبّح لما بقي من الإسلام شيء، فالحياة تريد الحركة.
* أساليب حفظ الإسلام
كل مدرسة تحتاج إلى صوت يرفع كلمتها. كلّ مدرسة تحتاج إلى لطم الصدور. وإذا لم يعلُ فيها النّوح ولطم الصدور لا تُحفظ. هذه المهمّة هي التي حفظت الإسلام سالماً وحفظت تلك الزهرة التي يسقونها حيّة دائماً. هذا النشيج وذكر هذه المصائب هو الذي حفظ مدرسة سيّد الشهداء حيّة. إن علينا أن نرفع علماً لكل شهيد نفقده، وننوح عليه ونبكيه ونصرخ. وهذا لقاء وهتاف لإحياء مدرسة سيّد الشهداء. الآخرون يفعلون أيضاً ما نفعل؛ فحين يقتل أحد من حزب ما يجتمعون ويهتفون ويقومون بما يرفع صوتهم ويحيي حزبهم من دون التفات منهم لهذه الأمور. إن سيّد الشهداء في كل مكان: فكل أرض كربلاء، وكلّ مِنبر محضَر سيّد الشهداء، وكلّ محرابٍ منه.
فلولا سيّد الشهداء لأنسى يزيد وأبوه وسلالتهما الإسلام. ولو لمْ يُنسُوهُ، لأظهروه نظاماً طاغوتياً. معاوية ويزيد كانا يعرّفان النظام الإسلامي بأنه نظام طاغوتي. ولولا سيّد الشهداء لكانا يقوّيان هذا النظام المستبدّ، ويعودان بالناس إلى الجاهلية، ولَكُنّا الآن مسلمين طاغوتيين لا مسلمين حسينيين. الحسين أنقذ الإسلام فهل نسكتُ عن إنسانٍ اختارَ الشهادة واستشهد إنقاذاً للإسلام؟ إنّ علينا أن نبكيه كلّ يوم. علينا أن نرتقي المنبر كلّ يوم حفظاً لهذه المدرسة وإدامة لهذه الثورات المرهونة بذكر الإمام الحسين عليه السلام.
* الغاية إنقاذ الدين
يجب علينا جميعاً أن نُفهم الناس أن القضيّة ليست أن نطلب الثواب، وإنما أن نتقدم. فسيّد الشهداء إذ قُتل لم يذهب ليثاب، لأن الثواب لم يكن مهماً جداً لديه، فقد ذهب لينقذ الدين ويقدم الإسلام ويحييه. وأنتم إذ تنوحون الآن تتكلمون، وتخطبون، وتنعون، تستبكون الناس فيبكون وكل ذلك ابتغاء هذه الغاية، وهي أننا نريد أن نحفظ الإسلام بهذه الاستثارة والاستنهاض والإنشاد والبيان. نحن نتوخى أن نحفظ الإسلام مثلما حفظ حتى الآن. ويجب أن تقال هذه الفكرة للناس وتُذكر وهي أنّ مجالس العزاء ليست ليقول أحد شيئاً ويبكي الآخر. القضية هي حفظ الإسلام بالبكاء، وقد حُفظ. حتى التباكي يثاب عليه، لأن التباكي يساعد هذا الدين وهذا بُعدٌ مهم من أبعاد القضيّة وهذا ما ورد في الرواية من أن الإسلام سيعود غريباً، كان غريباً منذ البدء، وهو الآن عاد غريباً لأنهم لم يعرفوه، فهو في مجتمع لا يعرف، وما عُرف الإسلام في وقت ما قط تلك المعرفة الكاملة. أليس بيننا من أخذوا من الإسلام أمراً، وتركوا الآخر، أو خالفوه؟